أكد الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة مرور 35 سنة على ذكرى المسيرة الخضراء ، أن مبادرة الحكم الذاتي التي أطلقها المغرب لحل النزاع حول الصحراء ''حققت تحولا حاسما، حيث تجاوزت مرحلة الإجماع الوطني والدعم الأممي والدولي''، لتصبح اليوم ''شعلة أمل في قلب مخيمات تندوف''. مشددا في الوقت ذاته أن المغرب لن يتخلى ''أبدا عن رعايانا الأوفياء بمخيمات تندوف''. وأضاف الملك ، أنه في الوقت الذي تميز موقف المغرب ''بالوضوح'' و''الحوار'' و''الواقعية''، تمادى خصوم وحدته الترابية في ''التملص من مسؤولياتهم، وفي مناوراتهم المعادية'' لمبادرة الحكم الذاتي. ودعا الخطاب المجموعة الدولية إلى أن ''تحدد، بشكل واضح وصريح، المسؤولين عن عرقلة المسار التفاوضي''، والذين يؤكد الخطاب نفسه أنهم ''خصوم المغرب، الذين يصرون على الجمود والتعنت والانقسام، بدل الدينامية والحوار والوئام''. وأكد الخطاب الملكي على أهمية تفعيل محاور الإستراتيجية المندمجة لكسب تحديات القضية الوطنية، وفي مقدمتها الجهوية الموسعة، والتي ستكون ''الأقاليم الصحراوية في صدارة إقامتها، بما تنطوي عليه من توسيع التدبير الديمقراطي الجهوي''. أما ثاني المحاور فيتعلق بإعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، والذي سيصدر ظهير شريف لتجديده، وأبرز نص الخطاب أنه سيتم تنصيبه على أساس إصلاحات جوهرية، يتمثل أولها في دمقرطة تركيبته، بجعلها منبثقة ومنحصرة في الهيآت والشيوخ والشخصيات ذات الصفة التمثيلية، وانفتاحه على المجتمع المدني المحلي، والقوى المنتجة، وممثلي العائدين إلى الوطن، والمقيمين بالخارج. وثانيها في اعتماد حكامة جيدة، وثالثها في توسيع صلاحياته لتشمل المهام التمثيلية والتنموية، والتعبئة الوطنية والدولية. أما المحور الثالث فيتعلق بإعادة هيكلة وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، التي نص الخطاب على قرارين بشأنها: الأول يخص تحديد نفوذها الترابي في ناحية الساقية الحمراء ووادي الذهب، والنهوض بتنميتها. وثانيها يتعلق بإحداث وكالة جديدة مماثلة يشمل اختصاصها الترابي الأقاليم الأخرى التابعة حاليا لوكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، وأقاليم أخرى بهذه المنطقة. وشدد الخطاب على ضرورة دعم جهود الدبلوماسية الرسمية، بمبادرات موازية، برلمانية وحزبية وحقوقية وإعلامية وجمعوية للدفاع عن عدالة قضية الصحراء بالنسبة للمغرب. يمكن القول إن الخطاب ركز على ثلاثة عناصر استراتيجية لاشك أن حسن تنزيل مقتضياتها على أرض الواقع سيمكن المغرب من التقدم خطوات أخرى في معركة كسب قضيته الترابية، ويتعلق الأمر بالديمقراطية، والتنمية، والتدبير الدبلوماسي النشط. أما الديمقراطية والتنمية، فهما اللتان تضمنان للموقف المغربي قوته ومصداقيته، وتعززان حصانة أبناء الأقاليم الصحراوية ضد الدعوات الانفصالية، في حين تشكل الدبلوماسية الهجومية الأداة الكفيلة بالضغط على المجتمع الدولي لممارسة مهامه بكل نزاهة وإنصاف. إن الخطاب، وهو يعطي الانطلاقة الفعلية للدبلوماسية الهجومية، فإنه في المقابل يحدد الشروط الأساسية لنجاحها، ومن ذلك قضية التنمية، وهي في عمقها لا تعني أكثر من توفير فرص الشغل، وضمان الخدمات الأساسية للمواطنين في أقاليمنا الصحراوية، وتوفير البنية التنموية الكفيلة بحسن استقبال العائدين، وإدماجهم في المحيط. إن الجميع معني باستخلاص الدروس من هذا الخطاب التاريخي، وتحمل مسؤوليته لخدمة القضيته الوطنية، وبشكل خاص الحكومة والسلطات المحلية في المناطق الصحراوية، وذلك لاتخاذ ما يلزم من قرارات جريئة للتعاطي مع المطالب الاجتماعية التي عبر عنها أبناء المنطقة، والتي حصنوها من الابتزاز والتوظيف الذي قد يمارس من قبل الانفصاليين الذين يحاولون عبثا استثمار بعض الاحتقانات الاجتماعية لتحويلها إلى رصيدهم الانفصالي. وفي ما يلي النص الكامل للخطاب : '' الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه. شعبي العزيز، نحتفي اليوم، بالذكرى الخامسة والثلاثين للمسيرة الخضراء المظفرة، في التزام راسخ بإضفاء دينامية متجددة عليها، وذلك من خلال مبادرات تشاركية مقدامة، تجسدها مسيرات تنموية وديمقراطية وحدوية، متواصلة. وفي طليعتها مبادرة الحكم الذاتي، التي حققت تحولا حاسما، حيث تجاوزت مرحلة الإجماع الوطني، والدعم الأممي والدولي، لتصبح محط تجاوب واسع، وشعلة أمل في قلب مخيمات تندوف.كما أحدثت قطيعة مع المقاربات، التي أكدت الأممالمتحدة عدم قابليتها للتطبيق، وأطلقت مسارا إيجابيا وواقعيا للتفاوض الأممي. وبقدر ما تميز موقف بلادنا بالوضوح، وانتهاج الحوار، والتحلي بالواقعية، تمادى خصوم وحدتنا الترابية في التملص من مسؤولياتهم، وفي مناوراتهم المعادية للدينامية الخلاقة، التي أطلقتها مبادرة الحكم الذاتي. لذا يتعين على المجموعة الدولية أن تحدد، بشكل واضح وصريح، المسؤولين عن عرقلة المسار التفاوضي. وهم خصوم المغرب، الذين يصرون على الجمود والتعنت والانقسام، بدل الدينامية والحوار والوئام. لقد ولّى زمن التملص من المسؤولية، ودقت ساعة الحقيقة، لتكشف للمجتمع الدولي، ما يتعرض له أبناؤنا في مخيمات تندوف، من قمع وترهيب، وإهانة وتعذيب، وذلك في خرق سافر لأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني. وأمام هذا الوضع المأساوي، فإن رعايانا الأوفياء بالمخيمات، رجالا ونساء، شيوخا وأطفالا، ما فتئوا يعبرون عن معارضتهم الشجاعة والمتصاعدة للقهر والاستبداد. وهو ما تجسده، رغم كل قيود الحصار الخانق، عودتهم المكثفة إلى وطنهم المغرب، في تجاوب تلقائي مع مبادرة الحكم الذاتي، ومشروع الجهوية المتقدمة. وإننا نسترعي انتباه المجموعة الدولية، والهيآت الحقوقية، إلى أنه من غير المقبول، ولا من الإنصاف، التعامل باللامبالاة أو المحاباة، مع استمرار هذا الوضع، الغريب قانونيا، والمأساوي إنسانيا، والمرفوض سياسيا. كما ندعوها لتحمل مسؤوليتها بوضع حد لتمادي الجزائر، في خرق المواثيق الدولية الإنسانية. ضمن حالة شاذة لا مثيل لها ؛ ولاسيما برفضها السماح للمفوضية العليا للاجئين، بإحصاء سكان المخيمات وحمايتهم. وهنا نؤكد أننا لن نتخلى أبدا عن رعايانا الأوفياء بمخيمات تندوف، وأينما كانوا. ولن ندخر جهدا لتمكينهم من حقوقهم الأساسية، في حرية التعبير والتنقل، والعودة إلى وطنهم الأم. وإذ نعبر عن رفضنا للاستغلال المقيت لما تنعم به بلادنا من حريات، لمحاولة النيل من وحدتها الترابية ؛ نؤكد أننا لن نسمح، لأي كان، بعرقلة المسيرة الديمقراطية لبلادنا. إن المغرب، الذي يمارس سيادته على كامل ترابه، ويلتزم بمسؤولياته القانونية الدولية، دون أي غموض أو التباس، ليستنكر الترويج الكاذب، لوجود ما يسمى بالمناطق ''الخاضعة للمراقبة''، شرق الخط الدفاعي، الذي يعرف الجميع طبيعته السلمية، والغاية الحكيمة من ورائه.ولن تسمح بلادنا بأي خرق أو تعديل، أو تشكيك في مغربية هذه المناطق. أو محاولات استفزازية لفرض الأمر الواقع، أو تغيير الوضع القائم. والتزاما منه بالشرعية الوطنية والدولية، فإن المغرب، سيواصل التعاون الصادق، مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوثه الشخصي، من أجل إيجاد حل سياسي ونهائي، لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، على أساس مبادرة الحكم الذاتي. شعبي العزيز، مهما كانت التطورات الإيجابية لقضيتنا الوطنية، فإن مواكبة تحولاتها، وكسب معاركها، ورفع تحدياتها، رهين بمواصلة تفعيل محاور الاستراتيجية المندمجة، التي أعلنا عنها، في خطاب المسيرة السابق. - أولها : الجهوية المتقدمة، التي أطلقنا ورشها، والتي ستكون الأقاليم الصحراوية، في صدارة إقامتها، بما تنطوي عليه من توسيع التدبير الديمقراطي الجهوي، وتعزيز حقوق الإنسان، بآليات جهوية ومحلية، وبما تقتضيه من جعلها في طليعة اللاتمركز. - ثانيا : إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، حيث سنتولى، قريبا إن شاء الله، إصدار ظهير شريف للمجلس الجديد. وسيتم تنصيبه، على أساس الإصلاحات الجوهرية التالية: - دمقرطة تركيبته : بجعلها منبثقة ومنحصرة في الهيآت والشيوخ والشخصيات ذات الصفة التمثيلية، وتعزيز انفتاحه على النخب الجديدة، ولاسيما منها المجتمع المدني المحلي، الحقوقي والشبابي والنسوي، وكذا القوى المنتجة، وممثلي العائدين إلى الوطن، والمقيمين بالخارج. - اعتماد حكامة جيدة، من شأنها ضمان عقلنة هياكل وطرق تسيير المجلس. - توسيع صلاحياته لتشمل، على وجه الخصوص، المهام التمثيلية والتنموية، والتعبئة الوطنية والدولية، والعمل على تحقيق المصالحة بين كافة أبناء الصحراء المغربية. - أما المحور الثالث، المتعلق بإعادة هيكلة وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، فقد اتخذنا بشأنها قرارين: - ويهم الأول تحديد نفوذها الترابي في ناحية الساقية الحمراء ووادي الذهب، وتركيز مهامها على إنجاز مشاريع التنمية البشرية، وبرامج محلية موفرة لفرص الشغل للشباب، ومعززة للعدالة الاجتماعية، وتيسير ظروف استقبال ودعم إدماج العائدين. - أما القرار الثاني : فيتعلق بإحداث وكالة جديدة مماثلة، يشمل اختصاصها الترابي الأقاليم الأخرى، التابعة حاليا لوكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، وأقاليم أخرى بهذه المنطقة، لمواصلة النهوض بتنميتها ؛ اعتبارا لما لها من مكانة أثيرة لدى جلالتنا، داعين الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة والعاجلة لتنفيذ هاذين القرارين. - وفي ما يخص محاور هذه الاستراتيجية، المتعلقة بوجوب مواصلة التعبئة الشعبية ودعم الجهود الدؤوبة للدبلوماسية الرسمية، فإننا نؤكد على ضرورة تعزيزها بمبادرات موازية مقدامة، برلمانية وحزبية، وحقوقية وجمعوية وإعلامية، للدفاع عن عدالة قضيتنا. أوفياء في ذلك لروح مبدع المسيرة الخضراء، والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، ولقسمها الخالد، مترحمين على أرواح شهداء الوحدة الترابية، منوهين بالساهرين عليها من قوات عسكرية، وسلطات أمنية وترابية، سائلين الله تعالى أن يكلل مسيراتنا بالسداد والتوفيق، في سبيل وحدة الوطن، وكرامة المواطن. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته'' .