استيقظ أهالي بيروت صبيحة أول أمس الثلاثاء على فاجعة اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني المناضل جورج حاوي، وتأتي هذه الجريمة النكراء عقب مرور ثلاثة أسابيع على اقتراف جريمة مماثلة راح ضحيتها الصحافي المعارض سمير قصير. ومعلوم أن السيد جورج حاوي يعتبر من أبرز الوجوه المعارضة لنظام الحكم في لبنان ولبعض السياسات المنتهجة من قبل سوريا تجاه بيروت، غير أنه وخلافا لمعظم رموز المعارضة اللبنانية، احتفظ لنفسه بخطاب معتدل ينوء بها عن المنحى الصدامي الذي انساق وراءه بعض الزعامات المغامرة، كما كان ميالا لاعتماد لغة الحوار كأنجح السبل لتجاوز المأزق السياسي الذي تتخبط فيه البلاد، وفي ذات السياق، لم يتوقف عن الدعوة لإلغاء الطائفية المقيتة وما ينجم عنها من اعتياد نظام المحاصصة السياسية. وهنا لا تفوتنا الإشادة بمواقفه الوطنية والقومية المشرفة التي عكسها بوضوح مساندته القوية للمقاومة في الجنوب الصامد ودعمه اللامشروط لكفاح الشعب الفلسطيني. بيد أن المثير في هذه الجريمة البشعة هو توقيتها الذي جاء بعد يومين من إنهاء العملية الانتخابية المارطونية والتي أفضت إلى فوز بين للتحالف الذي يقوده سعد الحريري، نجل رئيس الوزراء المغتال رفيق الحريري، الأمر الذي اعتبره البعض بمثابة رسالة تحذيرية للأغلبية النيابية الجديدة المنتظر أن يعهد إليها بتشكيل الحكومة القادمة من رحم التوجه المعارض لدمشق. وإذا كنا نربأ بأنفسنا عن استباق الأحداث ونتحاشى السقوط في شراك اتهام هذه الجهة أو تلك بالوقوف وراء هذا الاغتيال الجبان، فإن هناك بالمقابل من لا يتورع عن إطلاق التهم جزافا، ومن دون بينة، ويسارع إلصاق أي عملية من هذا النوع بما يزعم أنها فلول الاستخبارات السورية التي بقيت تعمل في جنح الظلام على الرغم من تأكيدات دمشق بسحب جميع أجهزتها الاستخباراتية من لبنان. بيد أن الأمر المؤكد هو أن عودة لغة الاغتيالات والسيارات المفخخة إلى الساحة اللبنانية، واستهدافها لبعض الرموز السياسية المعروفة بمواقفها الوطنية ونضالاتها القومية والمشهود لها بالاعتدال، يراد منه، إضافة إلى ضرب أمن واستقرار البلاد، إثارة حالة من الاحتقان السياسي وتأجيج التقاطب الطائفي والمفضي إلى إحياء نوازع الفتنة الكامنة في هذا المجتمع الفسيفسائي، ناهيك عن فتح الباب على مصراعيه أمام المزيد من التدخل الأجنبي بداعي التحقيق في جرائم الاغتيال وإماطة اللثام عن دوافعها والكشف عن ملابساتها وحقيقة الجهات التي تقف وراءها، الأمر الذي لمسناه في انخراط عناصر من I.B.F الأمريكية في عمليات التحقيق فور حدوث الجريمة الأخيرة. رشيد سليماني