دون أن يقدم محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية حصيلة المفاوضات غير المباشرة، ودون أن يحصل تغير في المواقف الإسرائيلية وخاصة في ملف الاستيطان الرئة التي تتنفس بها حكومة نتنياهو، قَبِل بالدخول إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بلا شروط مسبقة ولا ضمانات مكتوبة كما طالب بذلك الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى. وما إن أعلن عباس موافقته، وأبدت الجامعة العربية مباركتها لانطلاق المفاوضات، حتى تلقوا جميعا صفعات مدوية، الأولى من جانب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بعدم إشارتها لبيان الرباعية عند إعلانها عن تاريخ انطلاق المفاوضات مشددة على أنها بدون شروط. والثانية من نتنياهو الذي رحب بأن تتم المفاوضات المقرر انطلاقها في اليوم الثاني من الشهر المقبل +دون شروط مسبقة؛ مؤكدا أنه لن يقبل بإخلاء كبير للمستوطنات والذي يعد شرطا للتوصل إلى اتفاق السلام، وشدد على أن مثل هذا الاتفاق يجب أن يقوم +على ترتيبات أمنية؛ تقبل بها إسرائيل واعتراف الفلسطينيين بإسرائيل +دولة للشعب اليهودي لحل مشكلة اللاجئين في إطار دولة فلسطينية؛. وأكثر من هذا، اعتبرت حكومة نتنياهو انطلاق المفاوضات +بدون شروط مسبقة؛ نجاحا دبلوماسيا لها، ورأى فيه حزب الليكود دليلا على أن نتنياهو كان +على حق؛ في +صموده؛ وعدم رضوخه للضغوط لتجميد الاستيطان في وقت لم يعد فيه الإسرائيليون يعبأون بالمفاوضات ويعتقدون أنه لا طائل منها، تجلّى ذلك بوضوح كبير في تعيين يؤاف غالانت قائد عملية +الرصاص المصبوب؛ على غزة خالتي أدانها العالمخ رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي خلفا لأشكينازي. مسؤولون فلسطينيون، ردوا على كلينتون بالتمسك ببيان اللجنة الرباعية كمرجعية في المفاوضات تشمل كافة قضايا الوضع النهائي للوصول إلى حل الدولتين، وإلا تحولت دعوة الرئيس باراك أوباما لمجرد حفل عشاء. كما تعهدوا بإيقاف المفاوضات وإعلان انهيارها في حال ما إذا استأنفت إسرائيل أنشطتها الاستيطانية بعد 26 سبتمبر المقبل. لكن تجارب المفاوضات السابقة تؤكد أن هذه التعهدات مجرد تصريحات وبيع كلام لتبرير الهرولة إلى طاولة مفاوضات، يحوّلها الإسرائيليون وغياب وسيط نزيه إلى حفلات عشاء وغداء من أجل العلاقات العامة، وسفريات تلو سفريات لا طائل منها لصالح القضية الفلسطينية، وأحيانا كثيرة تكون بمثابة محطة تهدئة وتمهيد لاعتداءات على الفلسطينيين، ولا يُستبعد أن يكون وراء مفاوضات الشهر القادم تهدئة الجبهة الفلسطينية للتفرغ ربما لضربة لجنوب لبنان أو هجوم على إيران، أو عدم إزعاج باراك أوباما في خضم معركة انتخابية ساخنة تنتظره بعد شهرين. الفلسطينيون ودول عربية شاركوا في مسلسل المفاوضات المباشرة منذ انطلاقها بأوسلو سنة 1993 إلى مفاوضات كامب ديفيد ثم طابا إلى مفاوضات أنابوليس ,2007 ولم يحصلوا على شيء، وأمام هذا الوضع يتساءل المرء: لماذا لم يجلسوا لتقييم هذا المسلسل الطويل ب+ما له؛ وما عليه بشكل جريء وموضوعي؟ كيف يقبلون الدخول في مفاوضات لم تحدد لها مرجعية ولا سقف زمني، ويعرفون أنها ستدور في حلقات مفرغة، وستكون بمثابة إدارة للأزمة وليست حلاً لها على حد تعبير عمرو موسى. لماذا فشل المفاوض الفلسطيني والعربي في استغلال مآزق إسرائيل وجرائمها التي حشرتها في زاوية ضيقة، وكشفت حقيقتها العدوانية للرأي العام الدولي من قبيل مذبحة غزة وتقرير غولدستون، والهجوم على أسطول الحرية؟ بل على العكس من ذلك تبدو بعض القرارات مثل القرار الأخير بالتوجه لمفاوضات مباشرة دون مبررات معقولة، وكأنها إنقاذ لإسرائيل من ورطاتها، فأين الحديث عن تقرير غولدستون الذي لم يعد أحد يتكلم عنه؟ وأين مطالب التحقيق في الهجوم على سفينة مرمرة التركية في المياه الدولية؟ لقد استطاعت الدولة العبرية بألاعيبها محاصرة تداعيات ذلك. إنه لَلوهم بعينه انتظار نتائج إيجابية من مفاوضات الشهر المقبل في غياب إجماع فلسطيني ووحدة صف الفلسطينيين، ورؤية عربية إسلامية واضحة ومنسجمة لحل القضية الفلسطينية، أما تبرير الهرولة لطاولة المفاوضات بمبادرة السلام العربية، والحرص على التجاوب مع توجه إدارة باراك أوباما بتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وإظهار حسن النية، فلم يعد مقنعاً لأن إسرائيل لا تقدر على استحقاقات السلام الحقيقي ولها أجندتها التي تمضي في تنزيلها وخطوطها الحمراء التي لا تقبل الاقتراب منها غير عابئة بالعالم كله، ووظفت المفاوضات لتحقيق مخططاتها وما تزال. أما المفاوض الفلسطيني والعربي فلم يجنِ منها إلا الخيبات والنكسات لأنه دخلها بدون رؤية، وتنطبق عليه القصة الشعبية التي تحكي أن شاباً رأى أباه يسقط من فوق حصانه فعجز أن يساعده، فهرع إلى والدته يخبرها أن أباه سقط، لكن الأم لم تجزع لذلك وردت على ولدها بدم بارد قائلة: من البيت خرج أبوك مائلاً.