هل فعلا تعاني المرابحة، بصفتها إحدى التعاملات الإسلامية، من الغلاء مقارنة مع القروض التقليدية؟ ما حجم هذا الغلاء وما أسبابه؟ وهل من أفق لتجاوزه؟ هذه الأسئلة وغيرها، التي حققت التجديد حولها، أثارتها اتصالات كثيرة بالجريدة من عدد من المواطنين يستفسرون عنها وعن غيرها. وهي الأسئلة التي تأكد لالتجديد وجودها في الميدان بالتقصي عند عدد من زبناء الأبناك الباحثين عن التعامل وفق نظام المرابحة. لقد سمحت التحريات الأولية لالتجديد من الكشف عن حقائق تفسر غلاء كلفة التعاملات البديلة مقارنة مع القروض التقليدية، ولخصتها في التحفيظ المزدوج وهامش الربح الذي تحتكر المؤسسة البنكية تحديده. غير أن الغلاء الذي يتحدث عنه طالبوا التمويل عن طريق المرابحة له استثناءات تنظمها عتبة لم تتمكن التجديد من تأكيد وجودها من قبل المؤسسات المعنية. صدمة منتظري التعاملات الإسلامية: الغلاء وغياب الإشهار وقلة المؤسسات أكدت المعطيات التي تيسر لالتجديد جمعها، سواء من خلال العمل الميداني أو من خلال مبادرة اتصال العديد من المواطنين بالجريدة، أن الزبناء المفترضين للتعاملات الإسلامية يرون أنها غالية جدا مقارنة مع غيرها من القروض الكلاسيكية. وعبر العديد من هؤلاء الزبناء عن أنهم صدموا من واقع تلك التعاملات لدى الأبناك التي تعتمدها، وأكد جلهم تراجعهم عن المشاريع التي كانوا يعتزمون الدخول فيها خاصة العقارية منها. صدمة زبناء المرابحة المفترضين تجد انعكاسها في ضعف الإقبال على التعاملات الإسلامية. ولاحظت التجديد إقبالا متوسطا على دار الصفاء إلا أن أحد الأطر العاملين بها أكد أن بعض الأفراد أعربوا عن تخوفهم بسبب الكلفة المرتفعة لهذه التمويلات.هذا الضعف يرجع من جهة أولى، إلى غلاء تلك التعاملات حسب تصريحات العديد من الباحثين عن التمويل باعتمادها. ومن جهة ثانية إلى ضعف إشهار هذه الخدمات البنكية الجديدة. وحسب ذات المصادر لا تستثمر المؤسسات التي تعتمد تلك التعاملات بالمغرب في الإشهار بالشكل التجاري المعهود في المؤسسات البنكية. وحسب قولهم يشهد غياب الحملات الإشهارية بمختلف وسائطها وفي وسائل الإعلام المختلفة على أن البيئة التي تنمو فيها تلك التعاملات والسعر الذي طرحت به في السوق تفقدها القدرة على المنافسة مقارنة مع القروض التقليدية. ومما يزيد الأمر حرجا لدى المستهلكين قلة المؤسسات التي تعرض التعاملات الإسلامية، إذ لا تتجاوز في الواقع ثلاث مؤسسات وهي دار الصفاء التابعة لالتجاري وفابنك والبنك المغربي للتجارة والصناعة وسلفين، في حين أكد مصدر من البنك الشعبي أن المؤسسة سحبت هذه المعاملات مؤقتا من أجل إطلاقها في صيغة جديدة اعتمادا على آخر التعديلات الضريبية التي جاء بها القانون المالي للسنة الحالية، مؤكدا أن البنك لن يعتمد مؤسسات مختصة على غرار دار الصفاء. غلاء مع استثناءات وعتبة غير مؤكدة في المرابحة بمشقة كبيرة تم جمع المعطيات التي تسمح بالمقارنة بين التعاملات البديلة والقروض التقليدية بأخد معلومات تتعلق بأحد نظامي تمويل التملك. وركز بحث التجديد على تملك سيارة وتملك البيت من خلال نظامي التمويل لأنهما الأكثر بروزا في اهتمامات أغلب الذين سمحت ظروف التحري بالتواصل معهم. والقراءة الأولية للمعطيات التي جمعتها التجديد تفيد بوجود عتبة تفصل بين مجالين للتسعير في المرابحة. وهذه العتبة لم تؤكدها أو تنفها المؤسسات التي تعاملت معها الجريدة. وبالرجوع إلى الجداول المقارنة، سواء في اقتناء السيارة أو في اقتناء المنزل، ظهر أن المبالغ التي تقارب سبعة ملايين سنتيم في اقتناء السيارة أو المبالغ التي تقارب الثلاثين مليون سنتيم في اقتناء المنزل تكون تكلفة التملك فيها متقاربة بين نظامي التمويل؛ المرابحة والقروض التقليدية. كما أنه كلما ارتفعت المبالغ الأصلية للتمويل كلما ارتفعت كلفة المرابحة لتكون صادة للباحث عن التمويل حين يتجاوز مبلغ التمويل الأصلي 40 مليون ستنيم. أمثلة مقارنة وحسب المؤشرات الأولية، التي حصلت عليها التجديد، فإن اقتناء سيارة مثلا بقيمة 70 ألف درهم بالمرابحة، يدفع فيها الزبون حوالي 101 ألف و600 درهم؛ خلال خمس سنوات، في حين أنه في القرض العادي يدفع حوالي 99 ألفا و498 درهما. ولاقتناء منزل بحوالي 400 ألف درهم بالمرابحة خلال 20 سنة، سيدفع الزبون حوالي 830 ألف درهم، في حين أنه في القرض العادي سيدفع حوالي 760 ألف درهم، خلال نفس الفترة (الفرق حوالي 70 ألف درهم). وبالنسبة لاقتناء المنزل بحوالي مليون درهم، لمدة 20 سنة، يتطلب الزبون دفع حوالي مليوني درهم و78 ألف درهم باعتماد المرابحة، في حين أن اعتماد القرض الكلاسيكي يتطلب تسديد حوالي مليون و874 ألف درهم(الفرق حوالي200 ألف درهم). في البحث عن التفسير:التحفيظ المزدوج وهامش الربح في المرابحة بالنسبة للخبير الاقتصادي، لحسن الداودي، يرجع ارتفاع كلفة المرابحة في تمويل اقتناء العقارات إلى التحفيظ العقاري المزدوج، الذي مايزال مفروضا على المرابحة بنسبة 2 في المائة، إذ يتم إدراجه ضمن تكاليف التمويل، عكس القرض الكلاسيكي الذي يصل إلى 1 في المائة، ولكن لا يدرج ضمن القرض؛ إلا أن الزبون هو الذي يتكفل بالعملية. لكن آخرين، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، يضيفون أسبابا أخرى إلى غلاء كلفة المرابحة بشكل عام، إذ أكدوا أن من بين الأسباب الاختلاف الكبير بين نسبة هامش الربح (مقارنة مع المبلغ الأصلي) في المرابحة ونسبة احتساب الفائدة في القروض التقليدية. وأكد أحد الأطر بدار الصفاء، إحدى المؤسسات المتخصصة في التمويلات الإسلامية، أن هامش الربح لا يناقش مع الزبون، وأن دار الصفاء هي التي تحدده لأن المؤسسة في البدايات الأولى. غلاء التعاملات الإسلامية الذي يجده المستهلك جاء بعد أن استفادت المرابحة من بعض التعديلات الضريبية خلال قوانين المالية لسنتي 2009 و,2010 الأولى همت إلغاء الضريبة المزدوجة على التسجيل والثانية همت التخفيض من الضريبة على القيمة المضافة من 20 إلى 10 في المائة؛ دخل حيز التنفيذ انطلاقا من الشهر الحالي، وذلك بأثر رجعي. والتخفيض الضريبي على المرابحة، جاء بعد إدراج النقطة في القانون المالي للسنة الحالية، وهو ما يقتضي استفادة الزبائن من التخفيض انطلاقا من يناير .2010 مسار وارتفعت أسهم التمويلات الإسلامية بعد إعطاء الضوء الأخضر للتجاري وفابنك لفتح مؤسسات مختصة في التمويلات الإسلاميةدار الصفاء لتنضاف إلى المؤسسات التي اعتمدت هذه الصيغ منذ دخولها حيز التنفيذ منذ حوالي 3 سنوات. وهي المدة التي عرفت فيها هذه المنتوجات الإسلامية العديد من الصعوبات بسبب الكلفة العالية أو الضرائب الكبيرة المفروضة عليها وغياب سياسة تسويقية وإعلانية مرافقة لها، إلا أن هذا كله لم يمنع العديد من الأسر من الاستفادة منها، إذ بلغ مجموع ما راج في إطار هذه الصيغ التمويلية الجديدة أزيد من 700 مليون درهم. ومع افتتاح دار الصفاء ب8 مدن مغربية، لتنضاف إلى كل من سلفين والبنك المغربي للتجارة والصناعة والبنك الشعبي الذي سحب هذه القروض الإسلامية من أجل إعادة إطلاقها في صيغة جديدة، هاهم زبناؤها المفترضون يصدمون بكلفتها المرتفعة مقارنة مع القروض التقليدية، والذي يؤكد المراقبون أن التحفيظ المزدوج هو الذي يسهم في هذا الارتفاع بشكل أساسي. وفي الوقت الذي يؤكد محللون اقتصاديون أن التمويلات الإسلامية قطعت أشواطا كبيرة بالمغرب، يرى آخرون أن المغرب ظل متأخر جدا إزاء الأبناك الإسلامية، لأن هناك دولا أخرى تتوفر على ترسانة من الأبناك الإسلامية توفر أزيد من 50 خدمة، في حين أن المغرب مايزال في نقاش حول المرابحة المرتفعة الكلفة والمشاركة غير المفعلة، وتلكؤ الجهات المالية في المغرب إزاء أبناك إسلامية، أبرز خبراء دوليون قيمتها المضافة القوية في الدفع بعجلة الاستثمار والاستبناك والتنمية، ليبقى السؤال الوحيد الذي يتداول المواطن والباحث والسياسي والاقتصادي والحقوقي، لماذا المغرب لا يحذو مثل الدول الأخرى العربية والإسلامية والغربية ويبادر بإنشاء أبناك إسلامية؟