في ظل تنامي الصرخات المنادية بضرورة بإبطال الأحكام القضائية في حق مجموعة من المعتقلين على خلفية قانون الإرهاب، حيث توجهت أصابع الاتهام إلى تكذيب ما تأتي به محاضر الضابطة القضائية، طالب ويطالب كثير من المحكومين على خلفية هذا القانون بإعادة محاكمتهم بعد استنفاذ كل درجات القضاء في حقهم، في حين استطاع البعض إثبات عدم كفاية الأدلة التي حوكموا من أجلها من خلال نقض المجلس الأعلى وإبطال بعض الأحكام الصادرة في حق البعض، وإعادة محاكمتهم. قضية اليوم، واحدة من القضايا التي استطاع من خلالها أحد المحكومين في قضايا الإرهاب التأكيد على عدم كفاية الإثبات في التهم المنسوبة إليه، فما هي حيتياث هذه القضية، وما التعليل الذي تقدم به المجلس الأعلى في قراره؟ نقض الحكم تقدم عبد العزيز بمقتضى تصريحين أدلى بأولهما بصفة شخصية في 23 دجنبر 2005 أمام مدير السجن المحلي بسلا، وثانيهما في 30 من نفس الشهر والسنة أمام كاتب الضبط بمحكمة الاستئناف بالرباط، بطلب يرمي إلى نقض القرار المستأنف المحكوم عليه بمقتضاه من أجل جرائم تكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية، و الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام، و السرقة، وانتزاع الأموال، وعدم التبليغ عن جرائم إرهابية، ومحاولة تمكين سجين من الهروب ومساعدته على ذلك وممارسة نشاط في جمعية غير مرخص بها، وعقد اجتماعات عمومية دون تصريح مسبق، بعشر سنوات سجنا بسبب نقصان التعليل الموازي لاتعدامه. وبناء على مقتضيات الفصل 1 -812 من القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب، والمادتين 365و370 من قانون المسطرة الجنائية، ينص الفصل 2181 في فقرته ال،لى و الثانية من القانون المذكور على ما يلي: تعتبر الجرائم الآتية أفعالا إرهابية، إذا كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف، الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص أو سلامتهم أو على حرياتهم أو اختطافهم أو احتجازهم. وبمقتضى البند الثامن من المادة 365 والبند الثالث من المادة 370 من قانون المسطرة الجنائية يجب أن يكون كل حكم أو قرار أو أمر معللا من الناحيتين الواقعية و القانونية وإلا كان باطلا، وعدم إبراز العناصر التكوينية للجريمة المدان بها الطاعن يعد نقصانا في التعليل يوازي انعدامه. تعليل المجلس الأعلى علل المجلس الأعلى قراره بتوضيح أن القرار المطعون فيه لما أيد القرار المستأنف فيما قضى به على العارض من أجل الأفعال المبنية أعلاه، اقتصر على التعليل التالي: فيما يتعلق بجناية الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام: حيث اعترف المتهم المذكور لدى الصابطة القضائية بأنه بعد انتمائه لتيار الهجرة و التكفير وتحت أوامر أميرها محمد أو أحمد المدعو الريفي بتزكية من منظر الجماعة محمد جبور قام بعدة عمليات تعزيزية استهدفت عدة أشخاص، ثم الاعتداء عليهم بواسطة الأسلحة البيضاء والعصي. حيث جاءت تصريحات المتهم عبد العزيز مفصلة، ومدققة من حيث الزمان والمكان، والوسائل المستعملة في الاعتداء وكذا الأشخاص الذين استهدفوا لذلك وما سلبوا منهم. كما ورد في تعليل القرار المستأنف في هذا الشأن ما يلي: اعترف عبد العزيزبمحضر الضابطة القضائية بتبنيه الفكر الجهادي، وأصبح عضوا نشيطا في خلية دوار ولاد صالح، وقد قام رفقة بعض أعضائها بخرجات تعزيزية، وحيث سبق أن اتفق مع أمير الخلية على عملية اختطاف بعض الضحايا واحتجازهم كرهائن للحصول على مبالغ مالية من ذويهم تساعدهم في شراء الأسلحة من الخارج لاستعمالها في أعمال إرهابية تمس خاصة رجال الأمن وحيث إنه بمجرد ضبط زملائه في الخلية بادر إلى إتلاف جميع المراجع التي كانت بحوزته المتعلقة بالجهاد وخاصة الأشرطة السمعية وحيث إنه بناء على اعترافات الأظناء المذكورين أعلاه خلال البحث التمهيدي وخلال استنطاقهم الابتدائي من طرف قاضي التحقيق، وبناء على المحجوزات التي ضبطت لدى بعضهم اقتنعت المحكمة بثبوت جميع الأفعال المنسوبة إليهم، كل حسب ما هو متابع من أجله، ويتعين إدانتهم وعقاب كل واحد منهم على النحو الذي سيرد في المنطوق أدناه. يتجلى من هذا التعليل أن المحكمة لم تبرز بما فيه الكفاية في قرارها المطعون فيه العناصر الواقعية و القانونية لجناية الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام كما هي منصوص عليها في الفصل 2181 من القانون أعلاه، فجاء القرار المذكور ناقص التعليل الموازي لانعدامه، ومعرضا للنقض و الإبطال. ومن غير حاجة لبحث وسائل النقض المستدل بها في مذكرة الطاعن، قضى المجلس الأعلى بنقض وإبطال القرار المطعون فيه الصادر عن غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 20 دجنبر 2005 في القضية ذات العدد 28/05/,27 وبإحالة الدعوى و الأطراف على نفس الغرفة بنفس المحكمة لتبت فيها من جديد طبقا للقانون. *** تعليق على القرار(فؤاد الزغموتي محامي بهيئة الرباط ):ما بني على باطل فهو باطل يكرس هذا القرار قاعدة فقهية هامة، وهي أن ما بني على باطل فهو باطل، لأن القاضي الجنائي وإذا كان حرا في الاقتناع بأي دليل قاطع أو غير قاطع فإن هذا الدليل يجب أن يكون مصدره مشروعا وقانونيا وغير مشوب بأي عيب. وإذا كان المجلس الأعلى قد قيد القاضي الجنائي في الأخذ بما ورد في محاضر الضابطة القضائية-الصحيحة الشكل-وجعلها مشروطة بأن تكون مقرونة بحجج أخرى تقويها كشهادة الشهود و المحجوزات أو ما إلى ذلك، فإنه بالمقابل يستبعد المحاضر الباطلة وسائر الإجراءات غير القانونية و الخبرات الطبية أو الفنية الباطلة ولا يصح أن تبنى عليها الأحكام ولو أضيفت إليها أدلة أخرى صحيحة، لأن تناقض الأدلة وتعارضهما يؤدي حتما إلى بطلانها. وحتى الاعتراف والذي هو إقرار المتهم على نفسه بصحة التهمة المسندة إليه، والذي يعتبر أقوى دليل بالنسبة للقاضي، والذي يمكن أن يبنى عليه حكمه، إذا تأكد من صحة هذا الاعتراف فإنه يجعل المحكمة قبل الأخذ به أن تتأكد من صدقه، وصراحته ، لتنافيه مع المجرى العادي للأمور. لذلك وجب أن يكون الاعتراف صحيحا غير مشوب بعيب من العيوب التي تبطله، وحتى يكون ما صدر من المتهم اعترافا يؤخذ به كدليل خصوصا، في الجنايات فيجب أن تتوفر فيه عدة شروط أهمها: أن يكون الاعتراف صادر من المتهم على نفسه، وعن إرادة حرة، وأن يكون هذا الاعتراف صريحا لا يحتمل التأول. وغني عن البيان، أنه إذا كان للمحكمة أن تعتد باعتراف المتهم، وفي محضر الضابطة القضائية ولو أنكره أمامها فإنه يكون عليها من باب أولى أن تأخذ باعترافه أمامها، ولو كان قد أنكر في المرحلة السابقة على المحاكمة، وكذلك يكون للمحكمة إذا لم تقتنع بصدق الاعتراف أن تقضي بالبراءة، ولكن يجب عليها عندئد أن تبين أسباب طرحها للاعتراف، وإلا كان حكمها مشوبا بالقصور في التعليل، وخارقا بذلك مقتضيات المادتين 365 و370 من قانون المسطرة الجنائية. كما يجب عليها ومن جهة أخرى أن تبين العناصر التكوينية للجريمة، بغظ النظر عن ما ورد بمحضر الضابطة القضائية، وهذا ما عالجه القرار.