السيد الرئيس، السادة النواب، الإخوة الحضور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نجتمع اليوم في هذه الجلسة التضامنية بمناسبة العدوان الهمجي الصهيوني على أسطول الحرية، ونحن على مسافة ثلاثة أيام فقط من الذكرى 43 لاغتصاب القدس الشريف واحتلال المسجد الأقصى، التي تحل بنا كل خامس يونيو من سنوات الهزيمة والقهر التي تتعاقب على أمتنا الإسلامية منذ أزيد من قرن من الزمان. وصار حالنا كقول المتنبي: فصرت إذا ما أصابتني سهام üüü تكسرت النصال على النصال إن الكلمات لا تجد طريقها إلى التعبير، وإن قاموس اللغة العربية على غزارته وجزالته ليقدم استقالته أمام هذه الهمجية في العدوان الصهيوني والدناءة في التخاذل الدولي مع الفجور في الدعم والإغراء الأمريكي.لا يسعف في هذا المقام لفظ فصيح، وتحضر بقوة الكلمة المغربية العريقة:الحكرة. إنها فعلا حكرة لكن ليس ضد مستضعفي قطاع غزة، ولا ضد شعب فلسطين الأعزل فقط، ولكنها حكرة ضد العالم كله الذي مُثل حقيقة ورمزا، بهؤلاء الأحرار الذين نابوا عن كل الشعوب وكل الديانات وكل القارات وكل الاتجاهات الفكرية والسياسية والحقوقية، لسان حالهم وحال ما يركبون من سفن وما يحملون من معونات ضرورية وحيوية لشعب صغير أعزل محاصر ومعاقب جماعيا: أننا هنا لنجسد الإجماع الإنساني التاريخي العالمي، الذي لم يتحقق قط في أية قضية، على حقيقة واحدة هي أن كيان الغصب والعدوان وشرذمة الاحتلال والإحلال، آيلون إلى زوال، وأنهم جسم ضار وخطير ليس على الفلسطينيين أو المسلمين فقط، وإنما على البشرية جمعاء، كما كان يؤكد دائما العملاق روجي جارودي شفاه الله. نحيي جميع أبطال أسطول الحرية، ونجزي خيرا كل من بادر أو أعد أو مول أو خطط أو اقترح أو نفذ أو ساند أو دعا بدعوة الخير، لهذا المشروع الإنساني الرائع الذي أراده الكيان الغاصب موشوما بالدم مختوما بنهاية حزينة مروعة، حتى يكون ذلك رسالة واضحة لكل من يفكر في أن يقترف جرم الاستنكار أو جريرة فك الحصار أو إدانة الظلم الصراح. وتحية خاصة لشرفاء العالم الغربي الأحرار الذين جسدوا روح خلق جبير ابن مطعم حين كسر حصار شعب أبي طالب بروح إنسانية سامية خالصة، تحية للصحفي عصام زعتر ونائبة الكنيست حنين الزعبي ورجل الدين المطران كبوجي الذين اقتيدوا برؤوس مرفوعة وأيد مقيدة إلى الاعتقال فلم يهونوا ولم يلينوا، ثم انطلقوا فورا إلى وسائل الإعلام يفضحون الفضيحة ويكذبون الرواية الإسرائيلية المكذوبة، فكان مما بينوا أن القوافل لم تكن تحمل إلا سكاكين بلاستيكية بتوصية من المنظمين لتناول الطعام، خشية أن تتحول السكاكين العادية لو ضبطت في الرواية الإسرائيلية إلى أسلحة دمار شامل. وتحية على الأخص للمغاربة السبعة، نساء ورجالا، الذين نابوا عنا وبيضوا وجوهنا وطامنوا قليلا من خجلنا من تفريطنا بل وتخاذلنا عن جريمة قتل بطيء تمارس أمام الأعين ضد مليون ونصف مليون أعزل مريض جائع محاصر، تقترب من سنتها الخامسة لتتحول مع الضوء الأخضر الأمريكي والنفاق الأوربي والتواطؤ العربي والخذلان الإسلامي إلى موت سريع كما حذر من ذلك ممثل الأنروا في قطاع غزة. وإن نخص بالذكر، فلن نخص سوى النائب البطل الدكتور عبد القادر اعمارة، الذي شرف المغرب والبرلمان المغربي، وأصبح منذ اليوم مصدرا لفخرنا واعتذارنا ووسام شرف على صدر فريقنا. ونهيب بجميع الاخوة النواب وبكافة أفراد الشعب المغربي، الحضور بكثافة غدا في الساعة الواحدة ظهرا بمطار محمد الخامس لاستقبال أبطال المغرب، العائدين من معتقلات الإرهاب الصهيوني، بعد أن لطف الله بهم وفك أسرهم وثبت أجرهم. تسعة عشر شهيدا وستون جريحا وقرابة ألف أسير وستة سفن مصادرة بعشرة آلاف طن من المساعدات عليها، ورواية فاجرة الكذب إلى حد البهتان، ودعم أمريكي بلا حدود، وبيانات هزيلة ليس أهزل منها إلا التوصية غير الملزمة من مجلس الغبن تحت طائلة التهديد الأمريكي باستعمال الفيتو توصية لا يتضمن إدانة ولا إلزاما، هما عدوانان: العدوان الإسرائيلي على القافلة والعدوان الأمريكي على مستضعفي العالم برمزية فلسطينية فاقعة الحمرة بلون الدم. وهما قرصنتان: القرصنة الإسرائيلية لسفن الحرية، والقرصنة الأمريكية لقرار مجلس الغبن. ولا شيء يلوح في الأفق غير الأنين، والشعور بالهوان واستنجاد عمرو موسى بأوباما، ورائحة البارود تغمر أثير غزة في غارات إسرائيلية متوالية تصعيدا من الكيان المجرم، وتحديا سافرا للعالم، وصرفا للانتباه عن جريمة إلى جريمة، وعن البحر إلى البر، وكلنا في غزة شرق. إننا لا نرى وصفا لما جرى من هجوم بربري كاسح بجيش شرس ضخم بحري جوي، وإطلاق الرصاص الحي والقنابل الصوتية والدخانية والضرب والاعتقال والتقييد والاقتياد والخطف والترويع في عمق المياه الدولية ضد عزل مناضلين حقوقيين مسالمين، لا نرى وصفا سوى الجبن، ورحم الله المتنبي، حين قال: وإذا ما خلا الجبان بأرض üüü طلب الطعن وحده النزالا إن أقل ما نطالب به دولتنا وحكومتنا ومجلسنا الموقر هذا وأحزابنا المحترمة، مما لا نرى دونه إلا الموت المعنوي، ومزيدا من الهوان لا قرار له: 1أن نرفع الصوت عاليا عبر كل وسائل الإعلام: بيانات وبلاغات وخطبا وتصريحات واتصالات من أعلى مستوى في الدولة إلى آخر درجة تمثيلية، على الأقل بلهجة العزة التركية ونبرة النخوة العثمانية. 2نطالب أن يرفع مجلسنا توصية إلى الحكومة بانسحاب المغرب من المبادرة العربية، كما فعلت دولة الكويت الشقيقة مشكورة. فإنه إن تكن الكويت دولة صغيرة تدين باستعادتها لاستقلالها للموقف الأمريكي إثر الاحتلال العراقي، فإن المغرب بالعكس بلد كبير وعريق، ولا يدين لأحد باستقلاله إلا لمواطنيه الوطنيين والمجاهدين، ولا يدين لأمريكا بشيء، بل أمريكا تدين له بأن كان أول بلد اعترف باستقلالها سنة .1775 3إن أقل أقل ما نرضى به هو موقف صريح من الحصار المفروض على غزة رفضا وإدانة وشجبا واستنكارا لحصار ظالم إجرامي، كلف حسب السلطة الوطنية الفلسطينية لحد الآن، 10 مليارات دولار خسائر، عدا المعاناة التي لا تقدر بأرقام. وخير رد على الترهيب الصهيوني أن نعلن من هنا قرار تنظيم قافلة الحرية2 ولتكن حرية أيضا، تنطلق من المغرب باسم المغاربة جميعا ملكا وحكومة وبرلمانا وأحزابا ونقابات ومجتمعا مدنيا وجماهير وأن نسميها قافلة المسيرة الخضراء الثانية، بكل الزخم والحمولة الرمزية والعاطفية والإيمانية التي تحملها كلمة المسيرة الخضراء. ولتكن المسيرة المليونية ليوم الأحد المقبل بالرباط صباحا، الفرصة للإعلان عن قافلة المسيرة الخضراء وتقديم المعطيات الأولية عن ملامحها وعناصرها وأهدافها، ونهيب بالشعب المغربي قاطبة المساهمة في المسيرة والقافلة معا. وإننا في فريق العدالة والتنمية، لنعلن تحت كامل المسؤولية أنه إذا لم تتم الاستجابة لمطلبنا في تنظيم هذه القافلة، فسنلتحق بأقرب سفينة فك الحصار يقودنا رئيس الفريق شخصيا. 4إن القدس في خطر والمسجد الأقصى ماثل للسقوط، وقد سبق لنا في مناسبة قريبة أن قدمنا على هذا المنبر معطيات مهولة وحقائق مخيفة عن ما وصلت إليه الحفريات والأنقاب والهدم والتخريب تحت أساسات المسجد الأقصى. وإننا إذ نثمن دور بيت مال القدس الشريف، ونشد على يد القائمين عليه، فإننا نعلن أن ذلك غير كاف وأنه أقل من جهد المقل، وأن القدس تحتاج منا إلى دعم كامل شامل مادي وسياسي وإعلامي، يرمم قليلا صورة المغرب التي تضررت بتراجعه المخيف عن دوره التاريخي في دعم القضية. 5إن مربط الفرس وبيت القصيد في حديثنا اليوم هو أن نسعى إلى الخروج بقرار صارم جازم لوقف كل أشكال التطبيع الخفي والعلني، الفني والسياسي والتجاري مع الكيان الصهيوني الغاصب. كفى استفزازا للمغاربة باستضافة المجرمين سفاكي الدماء من أمثال عامير بريس وتسفيني ليفني، كفى من جرح المغاربة في مشاعرهم العميقة، بتأثيث لقاءاتنا ومؤتمراتنا الدولية بمراكش وطنجة وغيرها من مدن المغرب العزيزة، بوجوه صهيونية كالحة تزعم أنها تحضر فنيا أو أكاديميا أو ما شابه. وإننا ننبه إلى أنه بعد يومين فقط، سينطلق مهرجان الموسيقى الروحية بفاس بحضور وفد صهيوني، نطالب بمنعه من الوصول أو المشاركة، وندين هذا الفعل التطبيعي المقزز، المتزامن مع هذه المذبحة الرهيبة. ونضم صوتنا إلى صوت مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين في مطالبة وزير الثقافة بتحمل مسؤوليته مع باقي مكونات الحكومة بهذا الصدد. وإننا نوجه نداء عاجلا لأبناء الوطن أن يتدينوا ويدققوا جيدا قبل بيع أراضيهم الفلاحية ودورهم العتيقة في مدن المغرب العريقة إلى الأجانب، خشية أن تسقط في يد صهاينة متقنعين بجنسيات أوروبية، لما يمثله ذلك من خطر جسيم على أمن وسلامة ومستقبل الوطن. ولقد آن الأوان أن نراجع ما توهمناه طويلا نقطة قوة للمغرب لدى الكيان الغاصب، فإذا بالأيام تثبت أنه نقطة اختراق ضد المغرب من هذا الكيان وأعني الصهاينة المستفيدين من الجنسية المغربية الذين تخلوا عن وطنهم وتحولوا إلى مجرمي حرب في فلسطينالمحتلة، مستغلين ازدواجية الجنسية وتسامح المغرب، للعب أدوار ملتبسة لم يبد في الأفق منها لحد الآن شيء لصالح الوطن، سوى أنهم العمود الفقري للجيش الإسرائيلي والشرطة الصهيونية، وأنهم وقود الانتخابات للأحزاب اليمينية المتطرفة الظلامية التي تصل بأصواتهم إلى الجهاز التنفيذي في كيان الغصب لممارسة مزيد من القهر والقتل والمصادرة ضد إخواننا الفلسطينيين. وإن أقل ما نرضى به هو مصادرة الجواز المغربي وسحب الجنسية المغربية من كل من رضي منهم أن يكون له جواز إسرائيلي وجنسية إسرائيلية. وختاما، فرب ضارة نافعة، فلعل هذا العدوان البربري الذي فاق كل تصور وجاوز كل حد، أن يوقظ فينا روح التحدي والاستجابة، كما صاغها قانونا كونيا وسننيا أرلوند تونبي، فلعلنا أن نغسل عارنا بالدم ونؤسس وعينا بجثامين الشهداء ونحفظ ذاكرتنا بما حفظت به أرواح الاستشهاديين. لعل الترهيب الصهيوني أن يخلق فينا روح المواجهة من جديد، خصوصا مع مؤشرات ومبشرات بنصر لعله يقترب كلما اقتربنا منه واستحققناه بإرادتنا وأعمالنا. لا أجد مثالا على هذه المبشرات خيرا يكون مسك ختام من خبر إعلان الحقوقي ويليف بيتر فينز عن إسلامه وهو فوق سفينة مرمرة المنطلقة من أنطاليا التركية إلى غزة الأبية عن عمر يناهز الثالثة والستون. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. باسم فريق العدالة والتنمية في الجلسة البرلمانية التضامنية المخصصة لمناقشة العدوان الصهيوني الغاشم على أسطول الحرية (الأربعاء 2 يونيو 2010م)