جرعات زائدة من العنف والجنس والجريمة تلك هي ايديولوجية بعض وسائل الإعلام المعاصرة، حيث باتت مصدر قلق مستمر لمؤسسات التنشئة الإجتماعية كالأسرة والمدرسة ، لقد أضاف هذا الإعلام مشكلات جديدة ترهق كاهل الأمهات والآباء والمربين وتعقد مهمتهم بل وتجعلها مستحيلة. فالأطفال اليوم يثقون في الصورة المعولمة والمنمطة أكثر من ثقتهم في توجيهات الأسرة أو المدرسة. الإعلام الرأسمالي المهيمن المتدفق كنهر جارف الباحث عن خدمة الأسواق والمهتم بارتفاع المبيعات أكثر من ارتفاع معدلات الجريمة والإدمان مهووس بمؤشرات أسهم البورصات أكثر من مؤشرات انهيار الأمن الاجتماعي. إن النظام الرأسمالي النفعي بمخططاته الرهيبة لايضمن وجوده واستمراره إلا بواسطة أفراد يمجدون اللذة ويقدسون الاستهلاك ويجرون وراء الإشباع الشره للغرائز دون ضابط أخلاقي أوديني. وقد أكدت كثيرا من الدراسات الاجتماعية والنفسية المتخصصة كارثية فقدان القيم الإنسانية و استحواذ القيم المادية السلعية على العلاقات الاجتماعية وأتبتث حجم الخسائر الفادحة المادية والمعنوية التي تطال المجتمعات من جراء ذلك. لكن الأقلية المنتفعة الباحثة عن الغنائم لا تستمع إلا إلى هدير مصانعها التي لاتتوقف رغم التحذيرات من الثقوب المدمرة في طبقة الأوزن التي تنضاف إليها ثقوب قاتلة في كيان الإنسان /الفرد الوحيد الغارق في عزلته وأنانيته ،إنسان بدون ذاكرة ، بدون مرجعية أو سلطة إلا سلطة اللذة أوسلطة العلامة التجارية، كائن لا يعيش إلا على هواجسه الاستهلاكية الملحة . من أجل ذلك لم يعد بإمكانه أن يتحمل أطفال مشوار تربيتهم طويل ومكلف فقرر ألا ينجب ، ولم يعد بإمكانه أن يتحمل حياة زوجية فيها زوج يطالبه بالوفاء الزوجي فاستغنى عن الزواج ...واستبدله بشراء المتعة الجنسية المتوفرة في السوق في زمن اقتصاد الجنس ..لايهم من يموت مرضا من الميكروبات والفيروسات ولا يهم ألم طفل يجد نفسه يتيما في ملجأ كئيب لايعلم من أين أتى سوى أن أمه تخلت عنه .. لأن كثيرا من الرجال قرروا أن يتحولوا إلى آباء مجهولين... حروب في الجو والبحر والبر تشنها العولمة الرأسمالية على إنسانية الإنسان دون شفقة ...إن الدفاع عن الحرية الشخصية للأفراد ورفاهيتهم غطاء جميل لوجه بشع مرعب لايتورع في قتل الأبرياء من أجل استقرار الأسواق وتدفق السلع..لقد دشن هذا النظام لحظة ميلاده بحربين كونيتين واستعمر شعوبا ومازال للأسباب ذاتها . وقد كتب علماء السياسة والاقتصاد في الغرب عن الرأسمالية العالمية وموت الديمقراطية بسبب ديكتاتورية الشركات العابرة للقارات وكتب علماء الاجتماع أيضا عن موت الأسرة . والخيوط الرابطة بين الموتين تنسجها منظومة رهيبة تعزف على لحن الموت في كل مكان تمتد إليه أذرعها الأخطبوطية. هكذا تبتلع هذه المنظومة اليوم الحق في الأسرة وحق الأطفال في الأبوة ومستقبلا حقهم في الأمومة بعد تحرير استئجار الأرحام والمتاجرة في المبايض والاستنساخ البشري.عدد الأطفال المتخلى عنهم في تزايد مرعب في كل دول العالم وبرلمانات لم تعد تملك سوى أن تصوت لصالح إقرار قوانين تبيح الشذوذ الجنسي وحقهم في تبني الأطفال ! لقد عبرت النائبة الأمريكية كيرن عن ولاية أوكلاهما عن استغرابها من الصمت الذي يتعامل معه المجتمع إزاء الشذوذ الجنسي الذي وصفته ب نقرة الموت بالنسبة للدولة الأمريكية وأنه أخطر عليها من الإرهاب وأضافت في عدة حوارات لها أن المثليين خطر على الأمة والنسيج الأخلاقي والعائلة والزواج التقليدي الذي أبقى على الأمم لآلاف السنين... إن الدفاع عن الأسرة الشرعية الضامنة لأمن وحقوق وسلامة الأطفال والنساء والمسنين خافت مقابل الدفاع الملح على قيم الإباحية التي صارت محروسة بقوة بعض القوانين الكونية والبقية تأتي..وكل سنة يسجل تجار الإباحية أهدافا جديدة في أروقة الأممالمتحدة... عندما ضربت فرنسا موجة الحرارة ومات عدد كبير من المسنين في دور العجزة.لم تستطع الإدارة المعنية العثور على عناوين أبنائهم لإتمام مراسيم الدفن لأنهم فقدوا الاتصال بآبائهم بصفة نهائية. وقد أثار الأمر نقاشا محزنا لكنه انتهى بانتهاء حرارة الصيف ..ومايزال المسنون في عزلتهم ينتظرون الموت أكثر من انتظارهم لأبنائهم .... وإذا كان الرفاه الاقتصادي في الغرب وجودة الخدمات الاجتماعية تخفف من بشاعة الصورة فإن هذه الأخيرة تصبح مفزعة جدا في الدول الفقيرة .لذلك لايجدر بنا أن نشتغل بنفس المقاربات ونسطر نفس الأجندات في قضايا الأسرة وفلسفة النظام الإجتماعي . الأجدر بنا أن ندافع عن الحق في الأسرة لمئات الأطفال يسكنون الشوارع تتاجر في أجسادهم الطرية مافيات الدعارة والمخدرات ليتحولوا إلى مجرمين يكلفون خزينة الدولة نفقات إضافية .وبدل أن ننفق على مزيد من الملاجئ والسجون، نستطيع بتكلفة أقل أن نساهم في ازدهار مؤسسة الأسرة من خلال مخططات تنموية تدعم دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية وتحميها من التفكك، ومن خلال إعلام وطني يدافع عن قيم العفة ويؤسس لدى الشباب ثقافة الولاء للأسرة لأنها تمنح الإنسان كافة القدرات على الحب و البذل والعطاء والإنتاج و تحمل المسؤولية دون مقابل والحصيلة مجتمع آمن وأفراد يتمتعون بحقوقهم دون أن يجهزوا على حقوق الآخرين . وعندما نسطر أولوياتنا انطلاقا من أجندات وطنية لن ننشغل كثيرا بموضوع الزواج المبكر أكثر من موضوع دعارة القاصرين والقاصرات ذكورا وإناثا في مدن توشك أن تصير مثل بانكوك في السياحة الجنسية حسب التقارير الدولية وهذا موضوع آخر.