حسنا فعل الوزير الأول عندما خصص فقرة مطولة من تصريحه الحكومي الأخير أمام البرلمان لموضوع الهوية الدينية؛ معددا مجموعة من المحاور التي جرى الاشتغال عليها في السنوات التي مرت من عمر الحكومة الحالية، وخاصة ما هم العمل على تحصين الهوية الدينية ورفع وتيرة الترخيص للكتاتيب القرآنية وأجرأة الخطة الوطنية للارتقاء بالمساجد وتفعيل أداء المجالس العلمية، كما حذر من خطر التنصير والتشكيك في العقيدة الإسلامية، وهي مباردات تضافرت جهود جهات عديدة على الانخراط في تطبيقها وتجسيدها، مما لا يمكن معه إلا تقدير هذا التطور وتثيمنه ودعمه بالنظر إلى تعاظم التحديات التي تستهدف الهوية الدينية للمغاربة داخليا في ظل تنامى نزوعات الانحلال الأخلاقي والتفكك القيمي والتدهور الأسري، وخارجيا بتعاظم الاستهداف للأمن الروحي للمغاربة ولقيم وأحكام الإسلام الوسطي والمعتدل أو لوحدته المذهبية. إلا أنه في المقابل، نجد أن النظرة الحكومية لهذا الشأن ما زالت نظرة اختزالية ضيقة، تجعل من النهوض بالشأن الديني مسألة منحصرة في مجال العبادات والعقائد دون أن تنظر إلى باقي جوانبه الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والفنية والسينمائية، إذ تبرز مشاهد تثير تساؤلات كثيرة في المجتمع المغربي خاصة مع ارتفاع استهلاك الخمور إلى ما يناهز 38 مليون قارورة من الخمر العادي، وتنامي الترخيص لنقط توزيعه وبيعه، أو الترخيص لمؤسسات القمار وتنويع المغربية للألعاب، والتي هي مؤسسة عمومية لأشكال القمار المروجة في المجتمع؛ حتى بلغ عدد المغاربة المقامرين 3 ملايين؛ فضلا عن الدعارة التي تكتسح المدن المغربية؛ مخلفة ضحاياها داخل وخارج المغرب. إن الهوية الدينية للمغاربة كل لا يتجزأ، واستمرار هذه النظرة يعيق تبني مقاربة مندمجة وشمولية للنهوض بالهوية الدينية للمغاربة، والاستجابة للصحوة الشبابية الإسلامية، والتي في غياب تفاعل إيجابي واستباقي معها مهددة بكل أشكال التوظيف والتأطير الخارجي، والمخالف لمقتضيات الوحدة المذهبية والأمن العقدي للمغرب، وبدون هذا التأطير التفاعلي فضلا عن التدبير المحقق للانسجام بين مختلف السياسات الحكومية ذات الأثر على الحياة الدينية للمغاربة، فإن العمل الحكومي سيبقى أحاديا وقاصرا عن تحقيق هدف نهضة دينية للبلاد. لقد تقدمت الحكومة بدرجات معتبرة في مجال النهوض بتدبير الشأن الديني، وهي محتاجة اليوم إلى القيام بدفعة جديدة تتيح الانفتاح على المؤسسات الدعوية المدنية العاملة في المجتمع، وتضمن تعزيز توجهات الوسطية والاعتدال والاجتهاد لمواكبة تحديات العصر.