إنني أقرر وبغض النظر عن هوية المنتقد للفتاوى الفقهية ، أنني لم أفت في نازلة جديدة، بل هي مسألة فقهية تدارسها الفقهاء وتبادلوا الآراء فيها، ومن ثمَّ فأنا أنطلق في الأجوبة الفقهية مما تقرر عند الفقهاء، وأقدم الرأي الفقهي ، مستندا على ما أجمعت عليه الأمة المغربية من المباديء الأخلاقية العالية والثوابت المتمثلة في الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني في ظل إمارة المؤمنين، ولا يمكن أن يحمل الرأي الفقهي على قطع أرزاق فئة دون فئة، فنحن نؤمن باليقين أن الأرزاق لا يحكمها إلاّ الله ( وفي السماء رزقكم وما توعدون) ولهذا، ومع احترامي التام لرأي المخالف، أو المنتقد، فإنني أسهم في الدفاع عن مباديء الأمة و تراثها في ظلال الوسطية والاعتدال والمواطنة الصادقة التي ترجو الخير للبلاد والعباد ولا أختم هذا الجواب حتى أتقدم بالشكر الجزيل لمن انتقد الآراء الفقهية ، وما أكثرها، فهي مما يشحذ الهمم ويعطينا الفرصة لتجديد النظر الفقهي ، وما أحوجنا لمثل هذا. ماذا وراء الاشتغال على الفتاوى؟ جائز إن لم يكن مطلوبا أن يفكر كاتب ما أن يفرد مقالة أو اثنتين لمناقشة قضية تزدحم إلى جنب قضايا أخرى عديدة، فالمفكر والمناضل والناشط الديمقراطي والحقوقي، يبقى شغله الشاغل، أن يقارب الظواهر التي تبرز في المشهد الثقافي والسياسي والإعلامي والفني، ويدخلها إلى مختبر الملاحظة والرصد، ويسجل بصددها جملة من ملاحظاته النقدية، ويحاول أن يموقع هذه الظواهر في إطار رؤيته ومشروعه الديمقراطي. هذا كله شيء وارد ومطلوب، لكن ما يثير كثيرا من التساؤل، أن يتم التركيز على محور واحد يتم تضخيمه والاش تغال عليه طيلة ما يوفق الشهر، في حين أنه لا يشكل في أحسن أحواله إلا قضية جزئية يتم تجاوز ما يثار حولها من ملاحظات بالحوار العلمي والهادئ، يكون من المفيد طرح أكثر من تساؤل حول خلفيات هذا التناول والتركيز، ومن وراءه، ولمصلحة من يتم هذا التركيز والتناول الكثيف؟ وما هي الجهات المستفيدة؟ وما هو العائد الساسي الذي يدره، لاسيما وأننا في عصر الحسابات السياسية الدقيقة؟ من السذاجة أن يتم الاقتناع بأن ما يكتب عن الربط بين قلة منتقاة ومحدودة من الفتاوى وبين حركة التوحيد والإصلاح وبعدها حزب العدالة والتنمية، أن يكون بدون رهانات سياسية وإيديولوجية تنتج في نهاية المطاف تعميق التوتر مع التيار الإسلامي الفاعل في الحياة المدنية والسياسية، كما تتيح دخول البعض على الخط استغلالا لذلك لمصلحة حسابات معينة تروم التشويش على الفعل السياسي والمدني المشتغل في واجهات عدة وطنية وعربية وإسلامية وإنسانية والذي يجمع فعاليات يسارية وإسلامية، وتحتاج إلى تطوير القواسم المشتركة التي تجمع قوى اليسار بالإسلاميين، وتوسيع مساحتها لتشمل ما هو أكثر من النضال لمواجهة الفساد والاستبداد والتطبيع والمقاومة، لكن يتم توجيه الاشتغال عكس هذا المطلوب. لذلك، من المفيد اليوم التساؤل عن الخلفيات الثاوية وراء هذه الحملة التي تستغل فتاوى خاضعة للنقاش الهادئ، لكن في المقابل يتم تشويه مضامينها لمصلحة حملة تستهدف في العمق خصوصية التقارب اليساري الإسلامي في المغرب، والذي سجل كل متابع لقضية المعتقلين السياسيين الستة مدى قوته وتميزه، وهو تساؤل يكشف أن واجب المرحلة هو الدفاع عن الحوار العلمي حول الفتاوي وفي المقابل رفض كل تسييس له.