في مدينة أوربرو بالسويد قبل حوالي سنتين افتتح مسجد كان في الأصل كنيسة لطائفة شهود يهوه تصل مساحته حوالي ألفي متر مربع مغطاة، وتصل المساحة الإجمالية حوالي عشرة آلاف متر مربع. واعتبر افتتاح المسجد في ذاته فتحا على الأقلية المسلمة في المدينة، بل في مجمل الدول الاسكندنافية إن لم نقل في أوربا كلها.والداخل إلى هذا المسجد يجد فيه تنوعا واسعا على مستوى الجنسيات صومالية وإثيوبية وإريترية وعراقية وسورية ومصرية ومغربية وتونسية وجزائرية... بالإضافة إلى بعض السويديين وإن كان المتقدمون أغلبهم أو كلهم يحملون الجنسية السويدية أيضا... في هذا المسجد نظم الملتقى السنوي الثاني وكان موضوعه هذا ديننا في محاولة لرسم صورة للدين الإسلامي الحنيف في أذهان الأقليات المسلمة من جهة وكذا لمن يبحثون من المنصفين عن تعريف سليم للدين. وفي جلسات الملتقى الحوارية برز موضوع ملح غاية الإلحاح وهو المستقبل الإسلامي في الغرب من خلال السؤال الذي يتردد صداه في أكثر من مكان وهو وضعية الأبناء والأحفاد والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدين؟؟ إنه سؤال كبير يدفع إليه ما يلاحظ من التحولات على مستوى الجيل الثاني والثالث ثم تتناسل الأسئلة: إذا وجد في الغرب من يمنع ويدافع عن منع المآذن فهل نستطيع أن ننفي وجود من يعمل أيضا ليل نهار لكي لا يوجد من يبني المآذن استقبالا؟ وإذا وجد في الغرب من يمنع ويدافع عن منع الحجاب والنقاب فهل نستطيع أن ننفي وجود من يعمل ليل نهار لكي لا توجد من ترتدي الحجاب أو النقاب استقبالا؟ وإذا وجد في الغرب من يعمل على تنصير أطفال المسلمين في بلدانهم الأصلية فهل نستطيع أن ننفي وجود من يسعى إلى ذلك ليل نهار خارج بلدانهم؟ وإذا وجد في الغرب من يدعم حملات التشويه العامة فهل نستطيع أن ننفي وجود من يسعى ليل نهار لتأجيج حملات التشويه الخاصة التي تستهدف الأبناء أساسا؟ وإذا وجد في الغرب من يعمل على سرقة أطفال المسلمين من بلدانهم الأصلية فهل نستطيع أن ننفي وجود من يسعى ليل نهار لنزعهم من آبائهم وأمهاتهم؟ كل هذه التحديات تضاعف من مسؤولية الأقليات المسلمة في الغرب وتتضاعف أكثر مع حمى التخويف من الإسلام أو الإسلامفوبيا وتنامي التيارات اليمينية. إزاء هذا الواقع لا بد من الانتباه لمن لم ينتبه بعد أن الأمر يتعلق بمستقبل الإسلام في الغرب من جهة وإلى مستقبل التعايش والاندماج الإيجابي من جهة ثانية. الأمر يحتاج إلى مؤسسات ترصد الظاهرة لترسم الواقع كما هو من غير تهويل ولا تهوين، ولتجيب عن مختلف الأسئلة ذات الصلة بالموضوع. إن الوجود الإسلامي في الغرب حقيقة قائمة، وهو لن يكون إلا عنصرا إيجابيا، فالمسلم الملتزم بدينه لن يكون إلا مواطنا صالحا لمجتمعه ولأمته. وإن خيار التعايش هو الخيار، مع ضرورة البحث عن المنطقة المشتركة بين من يريد المسلم أوربيا أولا ومسلما ثانيا، ومن بين من يريد إقامة حقوق بلا واجبات. إن كل فرصة يتسع فيها هامش المكاشفة ينتقل فيها الحديث إلى التحدي الحقيقي المتمثل في الأبناء وهم يستحضرون مأساة بيوت عديدة مزقت أطرافها في لحظات يسيرة بسبب مواقف كان يمكن معالجتها بصور عديدة تجعل الأسرة تستأنف دورها في توفير حضن سليم للأبناء بعيد عن أساليب العنف التي تعالج بعنف أشد يجهل بعد ذلك مصيره. إن حسرة شديدة تنبعث من الأعماق كلما ذكرت السجون وأعداد الشبان المسلمين الذين يدخلونها لأسباب مختلفة فتحيل على السؤال الشائك: من يا ترى يواصل المسيرة؟ وهل الأجيال القادمة لها من المؤهلات ما يجعلها تراكم على إنجاز الآباء الذين حافظوا على هويتهم وقدموا صورة جيدة عن الإسلام والمسلمين. لقد سبقت الإشارة في مقال سابق إلى ما اقترحت تسميته بالضروريات الحافظة ومنها العناية بالشباب والأسرة بشكل عام، لقد علمنا القرآن عدم اليأس، وجاء التوجيه الصريح في قوله تعالى: لاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (يوسف : 87) لكن ذات القرآن هو الذي حذرنا من أمن مكر الله بما كسبت أيدي الناس: لاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (الأعراف : 99) وسيظل المطلوب دائما هو الموازنة بين التوجيهين بلا إفراط ولا ت