هل سينطق القاضي الشنتوف اليوم الاثنين بالحكم في ملف المعتقلين السياسيين الستة فيما يسمى ملف بليرج، بعد أن وضع الملف على درب كارثة إنسانية غير مسبوقة لا قدر الله، أم أن هيئة المحكمة باستئنافية سلا، بالعكس سوف تأخد بعين الاعتبار التطورات الإيجابية التي سجلت قبل اليوم لتعيد قاطرة العدالة في الملف إلى سكتها الطبيعية حيث يتوفر الحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة؟ لقد أتاح تأجيل النطق بالحكم في الملف مرتين مند الاثنين الماضي الوقت لتسجيل تطورات مهمة، تساعد وتشجع على تغيير مسار المحاكمة بما يشرف العدالة في المغرب. التطور الأول يتعلق بقرار 51 من المعتقلين في ملف بلعيرج ضمنهم المعتقلون السياسيون الخمسة (السادس أنهى مدة سجنه) توقيف إضرابهم المفتوح عن الطعام يوم الجمعة، والذي كانوا قد بدؤوه منذ 22 مارس الماضي ودام قرابة 81 يوما. وقد أكدوا أن قرارهم تعليق الإضراب تعبير عن حسن نية من جهتهم أملا في تصحيح اختلالات مسار المحاكمة التي غابت فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة كما جاء في بلاغهم الأخير. وجاء هذا التطور بعد أن شهد إضراب المعتقلين عن الطعام طفرة خطيرة حين دخل العبادلة ماء العينين في الإضراب عن شرب الماء والسكر وحمل على إثرها إلى المستعجلات، وهو ما يعني وضع خطى اللاعودة على درب الكارثة الإنسانية. وهو درب تدل كل القرائن أن المعتقلين مهيؤون للدخول فيه ابتداء من ملازمة محمد المرواني لكفنه في جلسات المحاكمة إلى الوضع الصحي المتدهور للمجموعة المعتقلة، وحرصهم على ترديد الشهادتين في كل حين، وتأكيد العبادلة في آخر مداخلة له أمام هيئة المحكمة أنها ربما تكون، كما أسماها، كلمة الوداع... بالإضافة إلى أشكال الاحتجاج الإنساني الذي يمكن أن يدخل فيها دووهم. وحسب التطورات الأخير في أشكال احتجاج المعتقلين ودويهم فمن المتوقع أن يفتح أي حكم لا يبرئ ساحة المعتقلين أو يبتعد كثيرا عن منطق براءتهم أن يفتح مسارا جديدا يكون عنوانه الرئيسي هو الكارثة الكبرى. التطور الثاني يتعلق بقرار هيئة الدفاع العودة إلى حضور الجلسات بعد انسحابهم، في مرحلة حرجة من مراحل الملف، احتجاجا على غياب شروط استمرارهم في الترافع عن المعتقلين. وهذا الإجراء من شأنه إضفاء نوع من المصداقية على مجريات الحكم، خصوصا إذا باشر الدفاع مرافعاته من جديد في الملف. التطور الثالث يتعلق بإمكانية تدخل وزير العدل، محمد الطيب الناصري، لتصحيح مسار المحاكمة بعد لقاءات لهيئة دفاع المعتقلين معه، والتي قالت إن ذلك يدخل في نطاق اختصاصات الوزير التي ينص عليها الفصل 15 من المسطرة الجنائية التي تنص على إشراف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية، وتبليغها إلى الوكلاء العامين للملك؛ الذين يسهرون على تطبيقها. ومن شأن هذا التدخل إخراج وزارة العدل من حيادها السلبي الذي لازم الملف أطواره السابقة. إضافة إلى هذه التطورات الحيوية المرتبطة بالملف يمكن استحضار إعلان هيئة الدفاع إمكانية لجوئها إلى الملك محمد السادس إذا لم تسفر لقاءاتها مع الوزير عن شيء، وهو إجراء قوي بالنظر إلى الصلاحيات التي متع الدستور بها الملك من أجل حماية العدالة وصيانة صورة المغرب الحقوقية. التطورات المشار إليها سابقا تأتي في ظل شروط سياسية مواتية تتعلق بكون المراحل الأخيرة للملف جاءت بعد حدثين مهمين؛ الأول يتعلق بالتعديل الحكومي الذي أطاح من جهة أولى بوزير الداخلية بن موسى الذي كان له دور حاسم في رسم مسار الملف، خاصة بعد ندوته المشهورة، والتي أدان فيها المعتقلين حتى قبل أن يبدأ معهم التحقيق حيث كان الاعتقال يوم 81 فبراير 8002وعقدت الندوة الصحفية يوم02 من نفس الشهر. ومن جهة ثانية بوزير العدل عبد الواحد الراضي الذي لم يحرك ساكنا أمام تطاول وزيري الداخلية والاتصال على القضاء وإصدار رئيس الوزراء في 12 فبراير 8002، وفقاً للمادة 75 من قانون الأحزاب المغربية، مرسوماً يقضي بحل حزب البديل الحضاري، وإصدار الحكم القضائي في 82 فبراير8002، وقبل أن يحال المعتقلون على قاضي التحقيق، بإبطال تأسيس حزب الأمة. كما لم يتدخل حين حرم قاضي التحقيق هيئة الدفاع من نسخ محاضر ووثائق الملف والترجمة وغيرها من أساسيات المحاكمة العادلة. ويتعلق الحدث الثاني بفتح ورش إصلاح القضاء بعد الإعلان عنه في خطاب الملكي ل02 غشت 9002، والذي أفرز حركية على مختلف المستويات في المغرب ونال اهتمام المنتظم الدولي. وهو ورش لا يقبل انتكاسات جديدة للقضاء، خاصة ونحن أمام ملف قد يفضي أي حكم لا تتوفر فيه شروط المحاكمة العادلة في حدها الأدنى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة. فهل تخطئ هيئة المحكمة اليوم موعد المغرب مع التاريخ لتسجيل خطوة نوعية وكافية لإعادة الثقة في استقلالية القضاء ونزاهته بما يعزز ورش إصلاح القضاء؟