كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات النقاب عن واقع الفساد في العديد من القطاعات الاقتصادية والمالية، ووقف الرأي العام على حقيقة الوضع بهذه القطاعات، وعن حجم الأموال التي تذهب أدراج الرياح. وهذه المؤشرات تقدم صورة عن مغرب يتقدم خطوة إلى الأمام، ويتراجع خطوات إلى الخلف، وتبقى هذه المعادلة قائمة إذا لم تفعل آليات المحاسبة والمساءلة. فساد اقتصادي أعاد تقرير المجلس الأعلى للحسابات النقاش حول الجرائم الاقتصادية التي تعيش على وقعها العديد من القطاعات الاقتصادية والمالية، وفي الوقت الذي من المفروض أن تكون العديد من هذه المؤسسات والوكالات قاطرة للتنمية بالمغرب، تحولت إلى حجرة عثرة إزاء هذه التنمية، على اعتبار ملايير الدراهم التي تنفق على مشاريع وهمية، والصفقات المشبوهة، وسوء التدبير. ومن بين المؤسسات التي افتحصها المكتب الوطني للمطارات والشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجيستيكية والقرض الفلاحي للمغرب والمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر والشركة الوطنية لتهيئة خليج أكادير (صونابا) ومكتب معارض الدارالبيضاء، وتسعير المنتجات البترولية (مديرية المحروقات والوقود التابعة لوزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة) والشركة المغربية للألعاب والرياضة وغرف الصيد البحري المتوسطية والأطلسية الشمالية والأطلسية الوسطى والأطلسية الجنوبية. ووكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية ووكالة الحوض المائي لسبو، والبرنامج الوطني لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب. إن سوء التدبير بهذه المؤسسات، لا يسهم في إفقاد فعاليتها فحسب؛ بل لا يسمح بإحداث فرص جديدة للشغل، ويعمق من مشاكل العديد من القطاعات والجهات، حسب العديد من المحللين، ومن ثم يبقى المغرب في آخر الترتيب في العديد من المجالات، وذلك ما تؤكده العديد من التقارير الدولية. من جهته أكد التقرير السنوي للهيئة الوطنية لحامية المال العام أن حجم الأموال المنهوبة منذ سنة ,2000 بمجموعة من المؤسسات العمومية والشبه العمومية وبالعديد من القطاعات، بلغ ما مجموعه 163 مليارا و481 مليون درهم. وهي الاختلاسات المعلن عنها رسميا، والتي طالت الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (115 مليار درهم)، والمكتب الشريف للفوسفاط (10 مليار درهم)، وكومانف (400مليون درهم)، والمكتب الوطني للنقل (20 مليون درهم)، والخطوط الجوية الملكية (مليار سنتيم)، ومكتب التكوين المهني (7 ملايير سنتيم)، ووكالة المغرب العربي للأنباء (مليار و76 مليون درهم)، والمطاعم المدرسية (85 مليون درهم)، وجمعية مطاحن المغرب (مليار و900مليون سنتيم). وذكر التقرير بعض الاختلاسات التي طالت مؤسسات أخرى، وطالبت الهيئة بالتحقيق فيها، ومنها قضية البنك الوطني للإنماء الاقتصادي التي تورط فيها العديد من الشخصيات والبرلمانيين، وقضية المكتب الوطني للصيد البحري (70 في المائة من الإنتاج الوطني للثروة السمكية يباع بطرق غير قانونية). محاسبة من جهتها حملت الهيئة الوطنية لحامية المال العام في تقريرها المسؤولية كاملة على هذه الجرائم الاقتصادية إلى الدولة بمختلف أجهزتها المسيرة، من خلال التواطؤ والتستر، والفرص التي منحتها للخواص ولبعض رجال الأعمال وبعض الهيئات السياسية ، مما يشكل دعما وتسترا لممارسات نهب المال والثروات والإغناء غير المشروع، وبدورها المرتبط كحامية للمتورطين في الجرائم المالية والاقتصادية المستفحلة. واعتبرت الهيئة أن هناك تسهيل لإفلات الجناة من العقاب، وإدانتهم بسبب ذلك، والعمل على حل وتفكيك كل مافيات المخزن الاقتصادي. وقالت الهيئة إن أعضاء البرلمان يحملون مسؤولية عدم مساءلة الجهاز التنفيذي بخصوص هذا النوع من الجرائم. ووفق التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات فقد أصدر هذا الأخير 44 قرارا برسم سنة 2008 ، قضى في 42 منها بمعاقبة المتابعين بغرامات مالية بلغ مجموعها534500 درهم، وفي 20 الباقية ببراءة المتابعين من المنسوب إليهم، وذلك من خلال التحقيق والبت في 225 مؤاخذة، قضى المجلس بثبوت 115 منها، في حين تمت تبرئة المتابعين بشأن 110 الأخرى، إما لعدم ثبوت أو كفاية الأدلة أو لتقديم المعنيين بالأمر للتبريرات الكافية لإعفائهم من المؤاخدات المنسوبة إليهم. إلا أن هذه القرارات تبقى ضعيفة مقارنة مع حجم الاختلالات التي رصدها، وفق ما يؤكد العديد من المتتبعين.