ظلت المدارس العلمية العتيقة ببوادي سوس عبر تاريخ هذا البلد الطيب منارات يستضيء بنورها أبناء جل مناطق المغرب، ويغرف من معين هذه البنايات المتواضعة شبان يسر لهم الله تعالى أن يحشروا في زمرة ورثة الأنبياء بهذا الوطن، تلك هي المدارس العلمية بسوس والتي تخرج منها العديد من الأساتذة والأطر الجامعية والأئمة والخطباء والدعاة، والتي استمرت مفتوحة في وجه طلبة العلم منذ قرون بفضل المحسنين وساكنة سوس الذي ورثوا الإحسان لهذه المدارس أبا عن جد. مدرسة إداومنو للتعليم العتيق تعتبر مدرسة إداومنو للتعليم العتيق الواقعة على الجزء الترابي باشتوكة أيت باها والمتاخم لهوارة من أشهر وأقدم المدارس العلمية بسوس، و تقع تحديدا بالجنوب الغربي لأولاد تايمة، وتبعد عن أولاد تايمة بحوالي 27 كيلومترا، وتنتمي إداريا إلى إقليم اشتوكة أيت باها، وتتمركز المدرسة بسوق ثلاثاء إداومنو الأسبوعي، وقد تم تأسيسها قبل أزيد من ستة قرون مضت، حسب منطوق بعض الوثائق العدلية التي اعتبرتها قبيلة إداومنو مرجعا تاريخيا لها. يسير المدرسة الفقيه العلامة سيدي عبدالله أيت وغوري (76 سنة) وهو أحد تلامذة العلامة سيدي الحبيب البوشواري رحمه الله، وقد ذاع صيت المدرسة على الصعيد الوطني فتقاطر عليها طلاب العلم من عدة جهات من المملكة كالصويرة ومراكش ووارزازات، ويبلغ عدد طلبة مدرسة إداومنو الذين في بيوت من البناء القديم في ظروف متواضعة، ما يفوق 149 طالبا، يدرسون خلال مختلف المراحل مجموعة من المواد اللغوية والشرعية ويسهر على تدريسهم 19 إطارا موزعين على الابتدائي والإعدادي والثانوي، وفي الموسم الدراسي الماضي (2008/2009) تقدم أول فوج يتكون من 40 طالبا من هذه المدرسة لاجتياز شهادة الباكالوريا فتفوق منهم 15 أي بنسبة 5,37 في المائة من مجموع المترشحين والتحق أغلبهم بالدراسات الجامعية. أحد الطلبة قال في تصريح لالتجديد إن السبب الذي دفعه لاختيار هذا النوع من التعليم يرجع أساسا إلى حبه وميله الشديد إلى هذا الصنف من الدراسة. في حين أوضح آخر أنهم يتوصلون بانتظام بمنحهم على مدى ثلاثة أو أربعة أشهر، مضيفا أن همهم الوحيد هو التحصيل والتحصيل فقط، آملا أن تتحسن ظروفهم لتحقيق نتائج جيدة تؤهلهم لمتابعة دراساتهم الجامعية مستقبلا. هذا ويحصل طلبة المستوى الثانوي على مبلغ 800 درهم كل ثلاثة أشهر أو أربعة ، أما منحة طلبة الإعدادي فتصل إلى 400 درهم و200 درهم بالنسبة للابتدائي. المحسنون الممول الرئيسي ويمول المحسنون بالقبيلة وبمنطقة هوارة هذه المدرسة، كما تعول المدرسة على أبناء القبيلة في بعض المدن، ومساهمات مؤسسة محمد السادس السنوية المتمثلة في بعض المواد الغذائية ومساعدة التعاون الوطني التي تدخل في مجال التسيير والتي تتسلمها جمعية المدرسة العتيقة لإداومنو، هذا بالاضافة إلى منحة الجماعة القروية والتي هي جد متواضعة مقارنة بالمصاريف التي تتطلبها مؤسسة علمية من هذا الحجم، وتشكو المدرسة حاليا من هشاشة بنياتها التحتية المبنية بالطوب، وقلة المرافق الصحية للطلبة وعدم توفر المؤسسة على مطبخ في المستوى المطلوب، فباستثناء إحدى القاعات التي بناها بعض المحسنين واعتبرها الطلاب مجلسا لهم لشساعتها نسبيا، فإن المدرسة ككل تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مرافق إضافية تمكن الطلبة من التحصيل في ظروف مناسبة . وهذه المدرسة التي يكشف بنيانها على جذورها التاريخية تشكل فضاء لتجمع سكان القبيلة ووالتقائهم خلال عدد من المناسبات ومنها كما يوضح احد المسؤولين عن المدرسة لالتجديد مناسبة ختم البخاري ليلة السابع والعشرين من رمضان كل سنة ، وذكرى مولد الرسول الأكرم بالاضافة إلى مناسبة أخرى تسمى لدى الأهالي بالمعروف يحضرها الأطفال بالخصوص لربطهم بهذه المدرسة منذ الصغر، ويضيف المتحدث أن هذه المناسبات تعتبر كذلك فرصة حية لاستقطاب العديد من المحسنين. مدرسة الركايك تقع مدرسة الركايك العتيقة في جماعة الكدية البيضاء بأولاد تايمة وهي من بين أقدم المدارس العلمية بهوارة إذ تأسست منذ أكثر من مائتي سنة، ويتابع فيها حاليا نحو 85 طالبا دراستهم، 35 منهم في المستوى الابتدائي و11 بالاعدادي و39 بالثانوي، وينحدر بعضهم من الدواوير المجاورة أما الباقي فينحدرون من مناطق عدة من المغرب كتاليوين والحوز وورزازات ... وكلهم من حفظة كتاب الله، إذ يعتبراستكمال حفظ القرآن الكريم من شروط ولوج المدرسة ، ويشرف على تسييرها الشيخ مدير المدرسة و5 أساتذة لتدريس العلوم الشرعية و3 مكلفون بتدريس التعليم العصري وحارس عام مكلف بالتنسيق وطباخ يشرف على إعداد الوجبات، وفي تصريح ل التجديد قال أحد المشرفين على التأطير بذات المدرسة، إن الطلبة يعيشون في جو إجتماعي يسوده البحث والتعاون والجد في العمل نظرا لأن ظروف المنطقة تساعد على التحصيل، فالمدرسة لا يفصلها عن المدينة خ أولاد تايمة خ إلا بضع كيلومترات، ومن تم فجل شروط الدراسة متوفرة نسبيا لدى طالب العلم، أما مواد التحصيل تكاد لا تختلف عن بقية المدارس العلمية العتيقة الأخرى نظرا لإدخال نظام التعليم العمومي في برنامجها الدراسي، ومن تم أصبحت تدرس مجموعة من المواد كالاجتماعيات والرياضيات والنصوص الأدبية والفلسفة والفكر الإسلامي ... بالإضافة إلى الفقه والمنطق والتوقيت وعلوم القرآن والسيرة والمتون وعلوم العروض والبلاغة. وتتكون المدرسة من جناحين أحدهما مبني قديما بالطوب والآخر حديث مبني بالآجور، وقد عمل أحد المحسنين على ربط المؤسسة بالماء والكهرباء، وكما تسهر لجنة انتدبت من طرف القبيلة وبدعم من المحسنين من أبناءها على تسيير المدرسة وتزويدها بما تحتاجه من تغذية الطلبة وإصلاح مأواهم. ويحصل الطالب سابقا لدى استكماله دراسته بالمدرسة العتيقة على إجازة الشيخ ثم يلتحق بعد ذلك بأحد المساجد كإمام خطيب ، أما اليوم فعملا بالنظام الجديد فالطالب يسعى جاهدا لنيل شهادة الباكالوريا ليلتحق بعد ذلك بإحدى الكليات إما الشريعة أو الدراسات الإسلامية أو اللغة العربية. لكن تفتقر المدرسة إلى الاهتمام الضروري وإلى خزانات كتب وقاعات متعددة الوسائط المجهزة بالحواسيب، كما لا يخفي طلبتها طموحهم بالرفع من قيمة منحهم لمواصلة مشوارهم الدراسي في ظروف ملائمة ولو بشكل نسبي. مدرسة سيدي بوسحاب بأمسكرود مسكينة... استكملت التجديد جولتها بإحدى المدارس البعيدة بقرابة 18 كيلومترا شمال أولاد تايمة على الحدود المتاخمة لإقليمأكادير وتنتمي هي الأخرى إداريا إلى هذا الإقليم، نزلنا بها والشمس تغيب عن الأفق واستقبلنا الطلبة بحفاوة رغم أنهم منكبون على التهيئ للامتحان الدوري للباكالوريا ، شيدت المدرسة في فضاء أخضر مريح وبناياتها حديثة وتصميمها مقبول ومرافقها نظيفة، تعتمد في دراستها على النظام العمومي، وتشتمل على 6 مؤطرين مكلفون بتدريس ما يفوق 36 طالبا في ثلاث قاعات بمستوى الباكالوريا، فيما يتولى فقيه المدرسة جانب الدعم، وهؤلاء الطلبة جميعهم من مناطق بعيدة خارج البلدة كالصويرة ومراكش ووارزازات وأسفي. وتعتمد المدرسة في تموينها للطلبة على مساهمات المحسنين، كما يتوصل الطلبة بمنحهم خ على حد قول أحدهم خ بشكل منظم، وتتولى جمعية المدرسة تسديد استهلاكات الماء والكهرباء ، غير أن المؤسسة تشكو حسب تصريح بعض الطلبة من غياب الخزانة المدرسية، مما يكلف الطالب باقتناء كتب للاطلاع والاستزادة من مبلغ منحته رغم هزالتها. يشار أن منطقة هوارة محاطة بالعديد من المدارس العتيقة من جملتها مدرسة إسن العتيقة في الشمال الغربي ومدرسة سيدي أحمد أعمرو في الشرق ومدرسة الكفيفات في الجنوب الغربي، وتختلف فيما بينها فقط في حظ كل مدرسة من عدد المحسنين الذين يكفلون بتموينها، بيد أن أهالي سوس ورثوا الإحسان لهذه المدارس أبا عن جد وذلك هو سر استمرارها عبر الزمن رغم ما تمر بها هذه المناطق من ظروف عصيبة كالجفاف قبل سنوات خلت، فإن الكرم والإحسان من أجل كتاب الله تعالى يحسب لهؤلاء الأهالي في بواديهم ومدنهم.