"الموت أو العمالة".. هكذا بدا الخيار أمام المواطن الفلسطيني بهاء (43 عامًا) عندما اشترطت عليه مخابرات الاحتلال أن يقدِّم معلومات عن المقاومة الفلسطينية مقابل السماح بسفره عبر معبر بيت حانون لتلقِّي العلاج. ويقول بهاء ل"المركز الفلسطيني للإعلام" إنه لم يكن يتصوَّر أن تصل درجة الوقاحة وانعدام الأخلاق لمخابرات الاحتلال إلى حد مساومته على تمكينه من حقه في السفر للحصول على العلاج مقابل تقديم معلومات عن المقاومة. ويوضح تجربته المريرة قائلاً: "لقد اتبعت الإجراءات المطلوبة من أجل السماح لي بالسفر عبر معبر بيت حانون للعلاج في الأردن، فأُرسل إليَّ لإجراء المقابلة قبل السفر لدى الاحتلال على المعبر". وتابع: "طلب الاحتلال مني بشكلٍ مباشرٍ تقديم معلومات يحتاجها، وفي المقابل سوف يتم تسهيل السفر لي، فرفضت بشكل مطلق رغم المحاولات المتكررة من قِبَلهم؛ ما جعلهم يرفضون السماح لي بالسفر"، مشيرًا إلى حاجته إلى السفر لتركيب صمام صناعي للمثانة. وذكر أنه بعد رفض السماح له بالسفر توجَّه إلى مراكز حقوق الإنسان في غزة، وبعد اتصالاتٍ تمَّ السماح له بالسفر وتهديده من قِبَل الاحتلال بأنه حينما يعود إلى غزة سيكون موعد بينهم، مبينًا أن هذا الأمر جعله يسافر بعد العلاج من الأردن عن طريق مصر للوصول إلى غزة. منع من السفر ولم يكن حال المريض جميل (41 عامًا) أفضل من سابقه؛ حيث تم منعه من السفر للعلاج في مستشفيات الأراضي المحتلة منذ 1948 لرفضه التعامل مع الاحتلال. وقال جميل إنه تعرَّض لعملية ابتزازٍ وصفها ب"غير الأخلاقية" كان الاحتلال يتعامل معه بها، مستغلاًّ حاجته إلى العلاج. وأوضح أنه أجريت مقابلة مع الاحتلال في معبر بيت حانون، وطالبه بالعمل لديه مقابل السماح له بالسفر، وحينما رفض تم رفض أوراقه، ولم يسمح له بالعلاج؛ حيث إنه يعاني من مرض بالكلى. وحسب مصادر حقوقية فمنذ مطلع العام الجاري استدعت مخابرات الاحتلال نحو 200 مريض فلسطيني للاستجواب في معبر بيت حانون في إطار معاملات حصولهم على تصاريح لتلقِّي العلاج خارج مستشفيات القطاع، وتعرَّض غالبيتهم لعملية الابتزاز التي يرفضها غالبًا الفلسطينيون. اعتقال مرضى وتُقدم قوات الاحتلال أحيانًا على اعتقال المرضى لدى رفضهم الخضوع للابتزاز الذي تمارسه المخابرات الصهيونية. فالمريض محمود الكفارنة الذي يعاني من مرض السرطان تعرَّض للاعتقال بتاريخ 11 أيار (مايو) 2009 عندما توجَّه لمقابلة مسؤول بالشاباك الصهيوني في المعبر، ضمن إجراءات الحصول على تصريح المرور، وجرى حجزه واقتياده إلى سجن شيكما، وبقي رهن الاعتقال لمدة 20 يومًا. وتكرر ذات السيناريو مع الجريح أحمد عصفور؛ فتم اعتقاله يوم (1-12-2009) قبل أن يتم إطلاق سراحه لاحقًا. ابتزاز مخالف للقانون الدولي وأوضح المحامي رأفت صالحة من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أن الاحتلال يستغل حاجة المرضى الفلسطينيين إلى العلاج في الخارج ويحاول ابتزازهم وتخييرهم بين التعاون معه والحرمان من السفر، في مخالفة صريحة للمواثيق الدولية التي أكدت الحق في السفر وتلقي العلاج. وأكد أن الكثير من الحالات المرضية يتم رفضها بحجج أمنية، وهذا يُعَد انتهاكًا لحقوق الإنسان، خاصة أن المريض له الحق في العلاج، مشيرًا إلى أن بعض المرضى يتم التحقيق معهم في المستشفى من قِبَل رجال المخابرات لمحاولة استقطاب معلومات منهم، وأنه في حالة رفض المريض ذلك يُحرَم من استكمال علاجه، "وهذا يُعَد انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان، وخاصة المريض". الداخلية تتابع وحول الإجراءات المتبعة من قِبَل وزارة الداخلية في قطاع غزة أوضح الناطق باسم وزارة المهندس إيهاب الغصين أنها كثيرًا ما أصدرت تصريحات تتعلق بخطورة هذا الموضوع، خاصة في ظل محاولات متكررة من قِبَل الاحتلال لأخذ معلومات من المرضى تتعلق بالوضع الفلسطيني. ولفت إلى أن المرضى مضطرُّون إلى العلاج في مستشفيات خارج القطاع، ومن ضمنها مستشفيات مناطق 48 وغيرها؛ ما يجعلهم عرضة لاستغلال الاحتلال. وبيَّن أن الاحتلال يستخدم أساليب مخالفة لكافة حقوق الإنسان، خاصة حينما يتعلق ذلك بالمريض، موضحًا أن الوزارة تعمل على التواصل مع المرضى أصحاب العلاج خارج قطاع غزة وتوعيتهم حول محاولة الاحتلال في إيقاعهم في شباك العمالة. وقال: "يوجد تواصل مع مراكز حقوق الإنسان، إضافة إلى المرضى الذين يتم تعرُّضهم لهذه المحاولات والتحدث معهم ومعرفة التفاصيل عن الأمر". وأضاف الغصين: "لا نستطيع منع المرضى للعلاج بالخارج؛ نظرًا لحالتهم الصحية وعدم توفر العلاج الكافي في قطاع غزة نتيجة الحصار".