ننشر انطلاقا من اليوم سلسلة حوار مطول مع الأستاذ عبد الوهاب رفيقي أحد رموز المعتقلين في ذمة القضايا المسماة إعلاميا بالسلفية الجهادية، والتي يقدم فيها عناصر مبادرة الحوار والمراجعة، وذلك بشجاعة وتواضع وحرص على الاستدلال، وهي الوثيقة التي طال انتظارها بعد أن تم تداولها في عدد من السجون، وخوض نقاشات حول المواقف المعبرة فيها والأدلة المعتمدة من أجل الاستدلال عليها، وهي بذلك تختلف عن المواقف والوثائق التي سبق أن صدرت من حيث كونها تجاوزت أن تكون مجرد جهد فردي خضع لضغط اللحظة أو أن تكون رد فعل عن مواقف مضادة لفكر المراجعة والحوار، أو أن تكون مجرد رجع صدى لمبادرات المراجعات التي ظهرت في مصر وليبيا والسعودية. فالمبادرة الحالية انطلقت من وعي عميق بخصوصية الحالة المغربية، وتفتح الطريق لمرحلة جديدة في تعامل المغرب مع ملف شائك رهن جهود التنمية وسياسة الانفتاح السياسي، كما تؤسس لفكر الوسطية والاعتدال ونبذ العنف والتكفير والتفجير، وتعتمد لغة واضحة تفتح الباب لحوار حقيقي مع مصدريها، كما تطرح تحديا على من راهنوا على أن تكون المبادرة مجرد مناورة شكلية لا تتقدم نحو مواجهة الإشكالات المباشرة، ذات العلاقة بالجذور الفكرية والثقافية للتطرف والغلو، والتي تقدم المسوغات لأشكال من الانحراف في التدين والعلاقة مع الآخر، ولهذا لا نتردد في القول بأن هذه المبادرة برغم ما قد يثار من اختلاف معها في بعض المضامين، تشكل خطوة متقدمة لتجاوز المأزق القائم في هذا الملف، والذي جعل المغرب في مواجهة مد متطرف يؤمن بالعنف في محيطه وتمكن من الامتداد بقوة داخله، وهو وضع أصبحت معه أخبار تفكيك الخلايا من الثوابت في الأخبار الوطنية، ويبقى الأمن لوحده وبشكل أساسي في ساحة هذه المواجهة ودون جهد حقيقي وفعال يطبق مقتضيات المقاربة الشاملة والمندمجة، والتي أعلن عنها في الخطاب الملكي الشهير الذي تلى التفجيرات الإرهابية ل16 ماي. ثمة قناعة عند الكثير من الفاعلين بأن إطلاق مقاربة علمية وشرعية لمواجهة أسباب فكر التكفير والتفجير ومعالجة جذوره أصبح ضرورة لا غنى عنها لإيقاف مد التطرف من جهة وفتح الطريق لتسوية منصفة وعادلة لضحايا أخطاء المقاربة الأمنية من جهة أخرى، فلا يمكن أن ننتظر ثلاثة عقود كما حصل في ملف يسار السبعينيات في تجربة الإنصاف المصالحة، لاسيما وأن يد الحوار والمراجعة تم مدها اليوم، والمفروض أن تتم الاستجابة لها والتفاعل معها بما ينسجم مع مقتضيات التجربة المغربية في الإنصاف والمصالحة، أما البديل عن ذلك فهو ترك مسار التنمية والتحديث رهينة لنزعة استئصالية ضيقة تتخوف من كل مبادرة للمراجعة والحوار، وترى في بقاء هذا الملف أداتها لتغذية نزوعات التراجع السياسي للبلد ككل.