فجرت فتوى للدكتور أحمد الريسوني بعدم جواز التسوق من المجمعات التجارية التي تبيع الخمر جدلا في المغرب تجاوز حدود الفقه إلى السياسة، بعد أن دخلت جمعية من جمعيات المجتمع المدني +بيت الحكمة؛ للرد على الفتوى واعتبارها تهديداً للأمن الروحي للمغاربة، وتدخلاً في الحرية الفردية، بل تجاوزت رئيسة الجمعية السيدة خديجة الرويسي ذلك بالدعوة إلى إلغاء القوانين التي تمنع بيع الخمر للمسلمين؛ لأن المغاربة الذين يشربونها يفعلون ذلك بمحض إرادتهم ويمارسون حقوقهم الفردية. طبعاً فتوى الدكتور الريسوني الخبير في المجمع الدولي للفقه الإسلامي بجدة وأحد المختصين المعروفين في العالم الإسلامي في مجال مقاصد الشريعة الإسلامية، تبقى فتوى قابلة للخطأ والصواب، وللعلماء أن يعقبوا عليها وينتقدوها ويصوبوها أو يخطِّئوها من أساسها في إطار قواعد الاجتهاد والفتوى. لكن الذي حدث أن الذي دخل على الخط جمعية لا علاقة لها بالعلوم الشرعية، ولرئيستها موقع مهم في الحزب الجديد الأصالة والعاصرة، الأمر الذي أعطى للجدل بعدا سياسيا بامتياز، لم يعد يقف عند حدود جواز التبضع من محلات تبيع الخمر أم لا، بل تجاوزه إلى المطالبة كما سلفت الإشارة بالتطبيع مع الخمر في المجتمع بدعوى أن الغالبية التي تقتني الخمر مغاربة وليسوا أجانب (الذين يسمح لهم القانون بذلك) والدعوة لقبر القوانين المحرمة لبيعه للمغاربة وجعلها من الماضي. بمعنى آخر إن فتوى الدكتور الريسوني لم تكن إلا مبررا وفرصة مناسبة لإعلان الجمعية المذكورة لمطلب مبيَّت عندها من قبلُ؛ بدليل أنها قالت في بيان لها: إن الدعوة لإلغاء القوانين التي تجرم بيع الخمور للمسلمين ليست إلا جزء من الرد على الدكتور الريسوني، مما يشير إلى أن هناك جزءا آخر لم تكشف عنه بعد. بالطبع لن يتحقق حلم الجمعية فذلك مستحيل، صحيح أن هناك مسلمين يشربون الخمر في المغرب، وهذا واقع لا يرتفع كما هي الحال في كثير من الدول الإسلامية، ولكن أن يتم السماح بذلك قانونا وشرعا فذلك أمر غير وارد على الإطلاق، وسيبقى حلم الجمعية وأحلام التيار العلماني المتطرف بالمغرب بشكل عام مجرد أحلام، ربما تضاف إليها الدعوة إلى السماح بتناول المخدرات وتقنينها، فضلا عن دعوات سابقة من جهات أخرى من داخل نفس التيار المدعوم بوسائل إعلامية من قبيل الدعوة للتطبيع مع ظاهرة إفطار رمضان بدعوى احترام الحريات الفردية وغيرها من الدعوات. نعم ستبقى المطالبات المذكورة مجرد أحلام لسببين رئيسيين: الأول: أن الدولة المغربية دولة إسلامية، وسبق للملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين أن أعطى إشارة قوية في هذا الباب لا تحتمل التأويل عندما كان النقاش مستعرا حول إصلاح مدونة الأحوال الشخصية (مدونة الأسرة) بين التيار الإسلامي والتيار العلماني بقوله في افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان يوم 10 أكتوبر 2003 لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين، أن أحل ما حرم الله وأحرم ما أحله، وذلك ردا على من طالبن خفية حينا وجهرة حينا آخر بالمساواة بين الرجال والنساء في الإرث. الثاني: أن المجتمع المغربي سيقاوم هذه الدعوات وسيرفضها لطبيعته المتدينة والمحترمة للدين، خاصة للمحرمات والكبائر المعروفة لديه ولدى كل المجتمعات الإسلامية في العالم، صحيح هناك شريحة تشرب الخمر على سبيل المثال.. ولكنها تقر بأنه حرام وتطلب وتسعى للتخلص منه ولا تفاخر بصنيعها، وستكون على رأس من يعترضون على إلغاء القوانين المحرمة لبيعه ومن تم تداوله بين المسلمين. بالطبع هناك شريحة محدودة جدا مؤدلجة وربما لا تشرب الخمر، لكنها تطالب بالتطبيع معه في المجتمع، خاصة بالأحياء الشعبية في إطار خدمة مشروعها العلماني الحداثي، ومصالح جهات اقتصادية، من دون الالتفات لمخاطره الصحية والاجتماعية التي لا تكاد تتناسب مع ما يتحدثون عنه من تشغيل مصانع الخمر لليد العاملة... إلخ. وما يثير الانتباه في الدعوة لإلغاء القوانين المحرمة للخمر على المسلمين المغاربة، أنها تأتي معاكسة لتوجه عدد من الدول بمنع الخمر لمخاطره الصحية والاجتماعية، وهي دول لا يمكن المزايدة عليها في الحداثة من قبيل فرنسا .. أخيرا: إن الجدل المثار بشأن الخمر في المغرب يعكس بوضوح صراع القيم والمشاريع المجتمعية في البلد بين مشروع مجتمعي يرى إمكانية التطور والتحديث ومواكبة العصر مع المحافظة على القيم والأخلاق الإسلامية والخصوصيات الوطنية والحضارية، ومشروع يرى أن مواكبة العصر والحداثة لا تستقيم دون ركن الدين وحصاره في أماكن العبادة، وإطلاق الحريات الفردية حتى وإن كانت متعارضة مع هوية البلد وخصوصيته ودستوره.