حينما ننعت مدرسة ما بكونها موجهة، لا بد أن تعبر صراحة عن مهمتها التوجيهية وتدمج العناصر الضرورية لكل فعل توجيهي في مشروعها البيداغوجي التربوي، وتعيد النظر في مهام وأدوار الفاعلين بداخلها وشركائها، من خلال ما يلي: - إدماج برنامج خدمات الإعلام والمساعدة على التوجيه ووسائل تنفيذه في المشروع التربوي للمؤسسة، حتى تصبح هذه الخدمات جزء لايتجزأ من سيرورة التربية والتكوين، بوصفها وظيفة للمواكبة وتيسير النضج والميول وملكات المتعلمين واختياراتهم التربوية والمهنية والحياتية، لتغدو مكونا أساسيا من مكونات منظومة التربية والتكوين تشتغل في تمفصل وتناغم وانسجام تام مع باقي المكونات. ويبقى البرنامج الناجح هو قبل كل شيء برنامج يتحكم فيه المنطق التربوي عوض الإداري، والذي يجد مسوغاته بالرجوع إلى الأسس النظرية والمنهجية والأداتية للتوجيه، فسواء كان هذا البرنامج قصير أو متوسط المدى فلابد من توضيحه، وتفصيله، وتفسيره، والتفاوض بشأنه مع جميع الشركاء، باعتبار أن شفافيته هي الضمانة المثلى لتنفيذه وخلق الدافعية حوله؛ - تحويل التلميذ من موقع التلقي السلبي إلى موقع الشريك الاستراتيجي والفاعل الأساسي في بناء معارفه وهويته عبر سيرورة تطورية ونمائية تتجسد عن طريق الملاحظة والفهم والتجربة والاحتكاك بالواقع، وتكتمل من خلال التوظيف المبدع لكل المصادر والموارد والإمكانات الذاتية والموضوعية سواء داخل المدرسة أو خارجها. وهكذا يحل مكان التساؤل ماذا سنعمل بالتلميذ؟ ، سؤال أكثر أهمية يتعلق، بكيفة مساعدة هذا التلميذ ليجد طريقة ومنهجية لبلورة مشروعه الشخصي بأبعاده المدرسية والمهنية والحياتية. - تعبئة وانخراط حقيقي لجميع الفرقاء التربويين والاجتماعيين والاقتصاديين بقضية التوجيه وذلك من خلال تجسيدهم للبعد التوجيهي للمدرسة، وحرصهم على التقيد بمنهجية تشاورية وتشاركية لتحديد وانتقاء أنشطة موجهة تتموقع في مساحات الإدماج والاندماج سواء داخل المؤسسة أو خارجها، وتوفيرهم لكل ما يلزم من الموارد والوسائل والمصادر الكفيلة بإنضاج وعقلنة اختيارات التلميذ وإكسابه كفايات الاستقلال الذاتي وتقنيات اتخاذ القرار. - تزداد وتتعزز خدمات ومواقع مهنيي الاستشارة والتوجيه في المدرسة الموجهة، وتخلق حاجيات جديدة للتلاميذ والأساتذة والآباء والمحيط الاجتماعي العام، مما يحتم على هؤلاء المهنيين خلق علاقة تفاعلية دينامية بين التلميذ والدراسة والمحيط الاجتماعي، ولعب أدوار طلائعية في الدعم والتنشيط والتنسيق والمصاحبة إلى جانب مختلف الشركاء، وإمدادهم بالتقنيات والوسائل التي تمكنهم من فهم وتحليل المسارات الدراسية والمهنية لزبناء المدرسة. وهكذا، تصبح خدمات الاستشارة والتوجيه مساعدة وداعمة للتلاميذ والآباء والفاعلين في أدوارهم المتبادلة في علاقتها بسيرورة التوجيه، مما يجعل مهام وأدوار هيأة التوجيه أكثر حضورا وبروزا في البنيات السوسيوتربوية المختلفة ؛ - يصبح المدرس أكثر تفهما لحاجيات وانتظارات التلميذ، ينصرف أكثر لتعليم يركز على كيفية بناء المعرفة عبر وسائلها المختلفة، ويفتح فرصا أمام التلاميذ لتمكينهم من اكتشاف ذواتهم ومحيطهم الاجتماعي العام تيسيرا لنمائهم المهني والشخصي. وهكذا يصبح التعليم المقدم للتلميذ تعليما موجها نافعا يسمح بربط العلاقة بين المواد الدراسية وبين هذه المواد والآفاق الدراسية والمهنية والحياتية، مما يضفي المعنى والدلالة على التعلمات ويخلق دينامية محفزة داعمة للتحصيل والنجاح المدرسي والتطلع للمستقبل والتفكير فيه؛ - إن المدرسة الموجهة تخرج الآباء من موقع الهامشية في تدبير قضايا المدرسة والشراكة في القرار التربوي، حيث يصبح دور هؤلاء أكثر دلالة وأهمية، وتتاح لهم فرص متعددة للتدخل والمشاركة في حياة المدرسة وذلك من خلال: خلق وسط مساعد على التفكير والتساؤل بالنسبة للتلميذ، مصاحبة أبنائهم في سيرورات اتخاذ القرار وإمدادهم بوسائل النجاح، المساهمة في تنشيط حوارات مهنية وتنفيذ مشاريع المؤسسة وبرامجها في الشراكة مع الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والجماعية...إلخ. إن هذه العناصر المتحدث عنها آنفا، هي بالضبط ما تصبو إليه مدرسة النجاح، ويطمح المنظور التنموي الجديد لخدمات الإعلام والمساعدة على التوجيه إلى تحقيقها وترسيخها في منظومتنا التربوية. وعليه، نعتقد أن المرونة والتعدد والدينامية التي تطبع مجالات هذه الخدمات، يمكن أن تكون تلك الحلقة المبحوث عنها والتي بإمكانها أن تعيد الاعتبار للمدرسة وللإصلاح المأمول، و أن تشكل إطار عمل وجسر ليس فقط بين المكونات الداخلية للمدرسة، وإنما مع محيطها الاجتماعي العام بأبعاده التربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمهنية.