أكوام من بقايا بنايات سكنية لم تستطع الصمود أمام الأمطار فهوت بمن فيها من السكان، وبعض ضحايا الانهيار ممن غادروا المستشفى ينتشرون في فضاء الشارع قبالة إدارة المعرض الدولي بالدارالبيضاء، يضعون الجبس اختفت كسورهم في جبس طبي، ومن أنهكهم الألم منهم، يرقدون على فراش المرض داخل خيام بلاستيكية تأوي من سبق وأن هدمت منازلهم في سنوات سابقة، فيما عائلات تكتوي بنار التشرد في العراء، وأخرى تبكي أقربائها من الذين لا زالوا يرقدون بالمستشفيات لتلقي العلاجات الضرورية. بينما ترى الخوف والرعب في عيون من لا تزال بيوتها المتآكلة قائمة بين أشلاء وبقايا البنايات المهدمة، تحت التهديد المستمر بانهيار وشيك في كل لحظة وحين.لأنهم ببساطة لا يملكون مكانا آخر يذهبون إليه. *** انهيار 4 بنايات سكنية آيلة للسقوط بحي عرصة ابن سلامة، نتيجة الأمطار الغزيرة التي تهاطلت طيلة بداية الأسبوع الجاري، وأدت إلى إصابة أزيد من 12 شخصا بجروح متفاوتة الخطورة صباح الثلاثاء الماضي، لا تختلف في تفاصيلها عن سلسلة الانهيارات التي عرفها الحي طيلة السنوات الماضية، فيما الاختلاف يسجل فقط في عدد الضحايا التي تخلفها الانهيارات المتجددة كل سنة. استفهامات كثيرة تتركها صور معاناة ساكنة حي عرصة بن سلامة بالمدينة العتيقة بعمالة مقاطعات آنفا، تتعدد بتعدد ظروف أزيد من 300 أسرة تستوطن الفضاء بين ركام الانهيارات التي تتكرر مع حلول كل فصل شتاء، حول تدبير معاشهم اليومي، وقضاء مصالحهم الخارجية، وتمدرس أطفالهم وعلاقاتهم الاجتماعية. رغم أنهم طرقوا أبوابا عديدة لكن من دون أن ينعموا بجواب يرد حقوقهم، ويرفع معاناتهم. بعد كل حادث انهيار ينزع المتضررون إلى نصب خيام بلاستيكية، مهددة بالسقوط في أي لحظة نتيجة انزلاق التربة، خصوصا عند نزول الأمطار الغزيرة، إذ تضطر الأسر المشردة مكرهة إلى أن تتعايش مع واقع مزري، تحت هذه الأكواخ التي لا يتجاوز علوها 40 سنتميترا، لا تقيهم حر الشمس ولا برد الشتاء. رحل البعض منهم ممن لم يستسيغوا هذا العيش، فيما لا زال آخرون متمسكين بانتمائهم للمكان بالرغم من كل شيء، ينتظرون جوابا طال انتظاره، على رسائل وجهوها إلى الجهات المعنية طلبا للإنصاف. وعبر (س ع) وهو من سكان مخيمات عرصة بن سلامة بالمدينة القديمة بمقاطعة آنفا، عن مأساته بالقول: مضطر لأن أعيش وسط هذه الخيمة بعد هدم منزلي، لأنني لا أجد مكانا أسكن فيه، رغم أنها تفتقد إلى أبسط الشروط السلامة الصحية، فهي دون ماء و لا كهرباء ولا مرحاض.. عيشة لا تليق حتى بالحيوانات فكيف بالإنسان؟، ويضيف سعيد؛ نطالب بتعويضنا بمنازل تليق بالبشر لننعم فيها بالأمن، لقد فرض علينا تأدية 70 ألف درهم دفعة واحدة في انتظار سكن الله يعلم بمصيره، أو أن نتسلم مبلغا بقيمة 130 ألف درهم مقابل هجرتنا عن الموقع الذي نسكنه لسنوات طويلة. وكانت فاجعة المدينة القديمة قد طغت على أشغال اللقاء الذي نظم بمقر ولاية الدارالبيضاء صباح أول أمس الأربعاء لتقديم الرؤية الاستراتيجية لتطوير عمالة الدارالبيضاء-أنفا والتحديات التي يستوجب على السلطات المحلية والمنتخبين والمجتمع المدني رفعها لتحقيق التنمية الشاملة في القلب النابض للعاصمة الاقتصادية. فيما بدا رئيس مقاطعة سيدي بليوط منزعجا وهو يتحدث عن المأساة التي تتكرر كل سنة بالمدينة العتيقة، معلقا كلما حل فصل الشتاء نضع أيدينا على قلوبنا. وكان كمال الديساوي يتحدث في سياق الإكراهات التي تعرفها مقاطعته، والمتعلقة أساسا بالبنايات القديمة والمهددة بالسقوط، البالغ مجموعها 467 بناية، صدر بشأنها قرار إداري. موضحا أنها دور بنيت بدون مواصفات تقنية، فيما صار من الضروري بحسب الديساوي إعادة تأهيل المنطقة، وإلا فستبقى هذه الإشكالية الاجتماعية مطروحة. مشروع إعادة التأهيل يشكل أولوية بالمنطقة، لرفع الإشكاليات الاجتماعية التي تعيش على إيقاعها المدينة العتيقة، بحسب ما أبرزه عامل مقاطعات الدارالبيضاء-أنفا خالد سفير في عرضه بالمناسبة، موضحا أن المشروع عرف في الأسابيع الماضية تكوين أربعة فرق تفكير من أجل وضع استراتيجية لإعادة تأهيل العمران والبنيات التحتية والتأهيل السياحي والثقافي وإعادة هيكلة التجارة والخدمات وتنفيذ مخطط للتنمية الاجتماعية إلى جانب تكوين خلية خاصة بمشروع إعادة تأهيل ميناء الصيد البحري.