في البداية، لابد أن نعترف أن ناشطي الحركة الأمازيغية ليسوا هم الذين بدؤوا التطبيع ولا هم من يقومون وحدهم بذلك، بل إنصافا- هم يمثلون أقلية قليلة جدا بالنسبة إلى باقي المطبعين.. فالمغرب- حسب تقرير مركز الإحصاء الإسرائيلي- تصدَر لائحة السياح العرب إلى إسرائيل خلال سنوات 2006 و2007 و,2008 كما أن عدد السياح المغاربة ضاعف بعض البلدان التي تضم أكبر عدد من اليهود مثل كندا والأرجنتين، ويمثل السياح المغاربة أكثر من ثلثي مجموع السياح القادمين من بلدان إفريقيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة ,2008 إذ سجل مجموع هؤلاء 38 ألف سائح ، في وقت سجل فيه المغرب لوحده أزيد من 28ألف. وهو رقم يفوق بكثير عدد اليهود المغاربة الذين لا يتجاوزون أربعة آلاف، رغم غياب أي علاقة رسمية بين المغرب وإسرائيل.. فأين يكمن المشكل إذن؟ للجواب على هذا التساؤل، لا بد من إظهار خطورة التطبع في الجانب الأمازيغي.. كل المحاولات السابقة لتأسيس جمعيات الصداقة الأمازيغية اليهودية كان القائمون عليها ينفون بشدة أي علاقة لإسرائيل بالموضوع.. بل كانوا يصرون على أن الأمر لا يعدوا كونه ربط علاقات بين اليهود الأمازيغ في جميع أنحاء العالم وبين نظرائهم الأمازيغ في المغرب، بهدف الحفاظ على الهوية الأمازيغية لليهود ذوي الأصول المغربية والتواصل مع جذورهم وجعلهم فاعلين في التنمية المحلية بمسقط رأس أسلافهم بالمغرب و نشر ثقافة السلم و التسامح والعمل على تشجيع حوار الحضارات و الثقافات. إلا أن بعض الأهداف المعلنة آنذاك تلقي الكثير من الضوء على نوايا أصحابها، كإعادة الاعتبار للمكون اليهودي في الهوية المغربية و تدريس تاريخ اليهود المغاربة في المدارس المغربية وإدماج الثقافة اليهودية في وسائل الإعلام السمعي والمرئي... إلا أنه حصل تحول ملفت في خطاب الجناح الداعي إلى التطبيع، والشواهد كثيرة على ذلك.. قال أحدهم: العلاقات مع إسرائيل مصلحة أمازيغية لمواجهة الاستهداف العربي والإسلامي.. وقال آخر: لقد خدمونا وعلمونا الحرف اليدوية وكانوا تجارا يجلبون قوتنا من كل بلاد الدنيا اذن فلماذا نكرههم ونحب العرب الذين لم يجلبوا لنا سوى الخراب والدمار والتخلف والكراهية والحقد على كل ما هو جميل و أن اليهود في شمال إفريقيا هم أصحاب الأرض وهم السابقون و العرب مجرد غزاة.. واختارت +العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان؛، التي تشتغل في المجال الحقوقي، أن تنوه بزيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسبي ليفني - التي زارت المغرب في الشهر الماضي للمشاركة في مؤتمر ميدايز بطنجة - وعممت بلاغا قالت فيه إنها ترحب بالزيارة ووصفتها ب+الميمونة؛. بل وصل الأمر ببعضهم إلى القول أيام العدوان على غزة: أقتلوهم كما شئتم. فنحن المغاربة و الأمازيغ على وجه التحديد، لا دخل لنا في الأمر. و أضاف آخر: إن الموضوع لا يهمني ولن أعطي تصريحا فيه. وصرح آخر: لا علاقة للأمازيغ بفلسطين ولا بالقضية الفلسطينية، وأنه يجب علينا القطع مع المشرق ثقافيا وسياسيا.. كما بدأنا نسمع أن التطبيع في هذا الوقت في صالح قضية الصحراء المغربية وأن هناك ضغط من لوبي من اليهود المغاربة يعملون لصالح المغرب وأن التواصل معهم ضروري.. أعتقد أن التطبيع في حالتنا هذه ليس تطبيعا عاديا، فهو بالإضافة إلى كونه محاولة للتقارب مع عدو الأمة، فإنه أيضا يبطن دعوة للتصادم بين أبناء الشعب الواحد، والمقاومة في هذه الحالة تتطلب مجهودا إضافيا لكون التطبيع- هنا- يمتزج بالعرقية .. يحاول المعنيون إيجاد تبريرات مقنعة للزيارة، بدون جدوى، ويتحاشون الرد الواضح على التساؤلات المقلقة بخصوص تسارع وتيرة تغلغل الصهاينة في الملف الأمازيغي . في البداية، كان المتتبعون يعتقدون أن مبادرات تأسيس جمعيات الصداقة اليهودية الأمازيغية و الزيارات التي تقوم بها فعاليات أمازيغية، ترمي فقط إلى الاحتماء بإسرائيل والاستقواء بها على المغرب، وجعل تل أبيب جسرا للمرور إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي من أجل الحصول على الدعم السياسي أو المالي، بينما لا يتردد آخرون في القول إنها مجرد تحركات، تقوم بها جمعيات صغيرة لتسليط الضوء عليها في الداخل والخارج، أو إشهار أشخاص لا يحظون بالترحيب حتى وسط الأمازيغ في الداخل ويسعون إلى خلق الجدل حولهم.. لكن الذي يبدوا جليا اليوم هو ما رجحناه منذ البداية، وهو أن هذه المبادرات تدخل ضمن مخطط صهيوني للتطبيع و زعزعة الإستقرار بالدول الإسلامية لإضعافها و فرض الهيمنة الصهيونية عليها.. التطبيع الذي يقوده هؤلاء المحسوبين على الأمازيغ مر بمراحل ثلاث في زمن قياسي، مرحلة السرية والإنكار و مرحلة التبني بخجل ثم مرحلة التبجح و المحاججة.. كل ذلك في غضون سنتين ونصف فقط، أي منذ مشاركة الأستاذ الدغرني ورفاقه الأربعة في ندوة عالمية نظمتها منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في تل أبيب ( دجنبر 2007) تحت شعار مناهضة عدم التسامح والميز العنصري وإنعاش الاحترام المتبادل والتعاون بين الشعوب.. تتنامى التخوفات لدى المتتبعين من وقوع الحركة الأمازيغية في حبائل المخابرات الصهيونية والأمريكية وتوظيفها في إطار المجهودات الحثيثة التي تقوم بها لمحو محرقة غزة من الذاكرة ، و صرف أنظار العالم عن محرقة الحصار المتواصلة على غزة، الذي يشكل جريمة إبادة جماعية وتطهير عرقي مستمرة . وكانت آخر هذه المبادرات ما قامت به مجموعة من الناشطين الأمازيغ، يقدر عددهم ب18 شخصا، زاروا إسرائيل للمشاركة في دورة تكوينية حول تاريخ المحرقة اليهودية الهولوكوست المزعومة خلال الحرب العالمية الثانية. وقد أكدت دوريت نوفاك، مديرة معهد ياد فاشيم الذي نظم الدورة التكوينية، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية في القدس لقد استقبلنا مجموعات من أكثر من خمسين بلدا على مستوى العالم، لكن هذه المرة أدركنا أهمية رسالتنا، وهي تعميم ذكرى المحرقة في العالم أجمع. وتعد هذه المرة الأولى التي يشارك فيها وفد بهذه الأهمية قادما من دولة إسلامية!.. خطورة ما فعله هؤلاء تكمن في أنهم ذهبوا ليتلقوا رواية الكيان الصهيوني عن المحرقة، ومحاولة ترويجها في صفوف الناشئة، مما يشكل خطورة على أجيالنا يستوجب حمايتهم. فالإسرائيليون لم يسعوا إلى دعوة هؤلاء الأساتذة للنزهة، وإنما ليلقنوهم الرواية الإسرائيلية المثقلة بالأساطير.. الشاهد على ذلك أن متحف ياد فاشيم، اشترط،لاستقبال وفد المغرب، أن ينتمي كل أعضائه إلى قطاع التعليم، وذلك حتى يتمكن هؤلاء من تمرير ما تعلموه حول المحرقة لتلاميذهم بعد عودتهم إلى الوطن. الزيارة السرية التي لم يعلنوا عنها إلا بعد نهايتها، محاولة لفتح نافذة التعليم المحصنة للتطبيع ، وهو جرم في حق القضية الفلسطينية وفي حق المواقف التاريخية للشعب المغربي وفي حق علاقة الأمازيغ بفلسطين التاريخية. ومن هنا يمكن أن نفهم دعوة جمعيات الصداقة إلى تدريس تاريخ اليهود المغاربة في المدارس المغربية وإدماج الثقافة اليهودية في وسائل الإعلام السمعي والمرئي.. و هو منا يحتم علينا حماية منظومتنا التربوية من نماذج مستوردة من كيان صهيوني يسطو على الأرض و يحرق الأخضر و اليابس و يبيد الإنسان.. فالأمازيغ، بكل تاريخهم المشرف في الجهاد و العلم، يرفضون بالطبع مبادرات وضيعة تحمل اسمهم الذي لا يرضون له أن يمرغ في الوحل. إن رفض الأمازيغ عموما و أمازيغ المغرب خصوصا أن يكونوا أدوات في يد الصهيونية العالمية، لا بد أن يترجم إلى مبادرات عملية تعبر للعالم عن حقيقة مواقفهم الأصيلة، ألا وهي مقاطعة الكيان الصهيوني والعمل على إنهاء احتلاله لفلسطين. المطلوب إذن، هو التصدي لكل المبادرات التطبيعية باعتبارها خيانة وطنية ودينية ، بل والتصدي بالحزم الضروري لكل المحاولات الرامية إلى زرع بذور الفتنة العرقية أو الطائفية بالمغرب .فتلقي الضربات بنوع من السلبية يشجع أمثال هؤلاء الذين يتآمرون في خفاء، على أن يفعلوا ذلك في واضحة النهار دون الخوف من ردود الفعل المستنكرة. إذا كانت الحركة الأمازيغية تصف نفسها بكونها تنظيما حضاريا نابعا من صميم المجتمع المدني و تدافع عن قضية عادلة تتمتع بمصداقية تاريخية فإن المنحى الأخير الذي تتجه إليه القضية يسيء لسمعتها داخل الصف الأمازيغي.. لذلك فإن الحاجة لنقاش أمازيغي/ أمازيغي أصبح أكثر إلحاحاً مما مضى، لأن ذلك هو المدخل للحيلولة دون تطور الوضع إلى واقع معقد في المستقبل قد لا تحمد عقباه..