ليس هناك من شك أن التطبيع حين يتجه إلى العمق الثقافي والتربوي تصير له أبعاد خطيرة، لأن الأمر لا يتعلق فقط بضرب الحصانة الثقافية والمناعة النفسية للشعب المغربي ضد النبتة الصهيونية الغريبة التي استنبتت غصبا في خريطة العالم الإسلامي، ولكن يتعدى ذلك إلى محاولة مسح الذاكرة التاريخية والسياسية للمغاربة، وإعادة تشكيل بنيتهم النفسية وشخصيتم الثقافية ومعارفهم التاريخية والسياسية وفق نمط جديد لا يرى حرجا في التعامل مع الكيان الصهيوني ومؤسساته، بل ويحمل مقولاته الدعائية ويدافع عنها، ويستعمل أداة ومعبرا لترويج هذه المقولات في العالم العربي والإسلامي. ولذلك، ليس مستغربا أن تعلق دوري نواك مديرة مدرسة ياد فاشيم على الزيارة التي أقدم عليها عشرون أستاذا مغربيا لدولة الكيان الصهيوني للمشاركة لمدة أسبوع كامل في هذه الحلقة الدراسية التي نظمها معهد ياد فاشيم في القدس عن ذكرى المحرقة، ليس غريبا أن تعلق على هذه الزيارة - حسب موقع أليانس العبري- وتعتبرها أساسية وتقول: لقد استقبلنا أكثر من 50 وفدا من بلدان مختلفة، لكن هذه السنة نحن نفهم جيدا الأهمية التي تحظى بها هذه التظاهرة (بسبب زيارة وفد من الأساتذة الذين ينتمون إلى بلد عربي)، أي تعزيز ذكرى المحرقة في جميع دول العالم، بل إنها ذهبت أكثر من ذلك حين كشفت عن الهدف والخلفية الثاوية وراء مثل هذه الزيارات، وذلك حين قالت: إن تدريس المحرقة لشعب بلد مسلم هو حدث مهم بالنسبة لنا في المدارس طبعا، لا يمكن إلا أن تكون مهمة صهيونيا، لأن دولة الكيان الصهيوني كسبت ثلاث مرات من خلال هذه الزيارة: - كسبت لأن الأمر يتعلق بأول مشاركة عربية من وفد من الأساتذة المغاربة لهذه الدورة الدراسية التي تنظم أكثر من ستين مرة كل سنة، وعلى مدى سنوات، وتقاطعها الدول العربية. - ثانيا، لأنها نجحت في أن تنسج علاقة مع نخبة - وإن كانت أقلية - من الشعب المغربي، وتستثمر بعض أبعاد المسألة الثقافية المغربية (الأمازيغية)، بل وتستثمر تناقضات الحركة الأمازيغية في المغرب، وتوظف الجناح المتطرف فيها لخدمة الأجندة التطبيعية تنظيميا، وذلك بآلية جمعية الصداقة اليهودية الأمازيغية التي تأسست سنة 2007 بمبادرة من رموز أمازيغية مغربية معروفة بنزعاتها المتطرفة، وثقافيا وسياسيا باسم معاداة السامية، وتطوير الثقافة الأمازيغية عند اليهود الأمازيغيين الذين يعيشون في الدولة العبرية. - ثالثا، وهذا هو الأخطر، وهو الرهان على جعل ذكرى المحرقة قضية حاضرة تربويا وتعليميا، ليس في جميع بلدان العالم بما في ذلك العالم العربي على أن يكون المغرب البوابة التي يعبر منها هذا الرهان. والأخطر من ذلك، في هدف يتحقق بالتبع، وهو استثمار زيارة هذا الوفد العربي (المغربي) ودمجه ضمن الرؤية الاسرائيلية والصهيونية، ذلك أن وفد الأساتذة المغاربة الذين شاركوا في هذه الدورة الدراسية، نظمت لهم على هامش هذه الفعالية - حسب الموقع الإلكتروني العبري ذاته- لقاءات مع البرلمانيين الإسرائيليين من أصل مغربي، وشاركوا في مؤتمرات عن وضعية اليهود في المغرب أثناء الحرب العالمية الثانية، وكذلك وضعية اليهود في ألبانيا.