يبدو أن بعض القائمين على سياسة المهرجانات في المغرب لا يريدون أن ينتهوا من الاختباء وراء مفاهيم لا تمت بصلة إلى المضمون الثقافي والفني الذي تتضمنه العديد من المهرجانات. في مدينة أكادير على سبيل المثال، وضمن الدورة الرابعة نظم مهرجان فني تحت مسمى التسامح، وهو مبدأ عظيم في ثقافتنا الإسلامية لا يجهل أحد أبعاده ومميزاته، ولا تخفى صوره الحضارية في التجربة التاريخية الإسلامية، ولا يجادل أحد في ضرورة ترسيخه في منظومتنا التربوية والثقافية والفنية، ومد جسور التواصل بين شعوب ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وتكريس مفهوم الحوار بين مختلف الثقافات، ونبذ كل مظاهر العنف، لكن المشكلة تبقى قائمة في الفهم والتأويل الذي يضفيه البعض على هذا التسامح، وفي طبيعة الأنشطة الثقافية والفنية والمضمون الذي يقدم باسم التسامح، وفي التحريف الذي يمارس على هذا المفهوم والتشويه الذي يلحقه. طبعا، حاول مهرجان التسامح بأكادير، والذي نظمته مؤسسة الإنتاج الفني إليكترون ليبر وجمعية التسامح بشراكة مع القناة الثانية وإم6 الفرنسية، أن يقدم نموذجا للتسامح الذي يتبناه القائمون على تنظيمه، وللفهم الذي يحملونه عن حوار الحضارات. المفروض أن التسامح لا يعني الإخلال بالثوابت القيمية، وبالخصوصية الحضارية المغربية، والمفروض أيضا أن حوار الحضارات لا يبرر بأي حال التماهي مع قيم الغير، والتخلي عن خصوصيات شعوب المتوسط، وفي مقدمتها الشعب المغربي. فشعوب جنوب المتوسط تحمل ثقافة غنية، وتتمتع بنسق قيمي وثقافي جدير بأن يبرز ضمن فعاليات هذا المهرجان، وأن تكون له الكرامة المعتبرة. هذا أقل ما كان ينبغي الالتفات إليه عند تخطيط أهداف البرنامج وتحديد المشاركين فيه. المشكلة أن القائمين على هذا البرنامج لم يجدوا من يمثل شعوب جنوب المتوسط، وهم شعوب الأمة المسلمة، لم يجدوا إلا جسدا عاريا مفضوحا ليس عليه إلا لباس نوم، كعربون على قمة التسامح الذي تعبر عنه الأمة العربية المسلمة اتجاه الآخر. هيفاء وهبي التي جاءت إلى هذا المهرجان، ممثلة لجنوب شعوب المتوسط، أعطت نموذجا واضحا للمعنى الذي يتمثل به البعض مفهوم التسامح، إذ لم تكن تلبس إلا ثياب نوم؛ حتى إن بعض المعلقين الساخرين في إحدى الصحف الوطنية قال بأن التلفزة المغربية لم ترد الاقتراب كثيرا من جسد هيفاء وهبي حتى لا تظهرها كما كانت، عارضة جسدها العاري أمام الجمهور، أو بدقة ممثلة للوجه الذي يريد البعض أن يظهر به شعوب جنوب المتوسط أمام شماله. شعوب عارية، نزعت عنها ثيابها، وتخلت عن كرامتها، كل ذلك يتم باسم التسامح المفترى عليه. يبدو أن السياسة الثقافية والفنية في بلدنا في حاجة إلى أن تتحرر من هذا الفهم السيء والرديء للتسامح، والذي يضرب عرض الحائط تاريخا عظيما وتجربة ثرية من الممارسة العملية للتسامح، قائمة على الاعتزاز بالذات والتعلق بالثوابت القيمية واحترام الآخر. نحتاج فعلا إلى تحرير هذه السياسة الثقافية الفنية من هذه الرداءة التي تستخف بقيم المجتمع المغربي، وتحرف تجربته التاريخية، وتعرض كرامة الشعوب الإسلامية إلى الإهانة. سيكون من العبث أن نتصور بعد أن استضاف المهرجان هيفاء وهبي ممثلة عن شعوب جنوب المتوسط، عارية إلا من لباس نومها، سيكون من العبث أن نقنع الرأي العام أننا فعلا نكرس ثقافة الحوار ونحارب التعصب والعنف والتطرف، فالرأي العام، يعرف أن تكريس ثقافة الحوار، وتعزيز التواصل مع الآخر، ومحاربة العنف والتطرف لا يكون بتشجيع ثقافة العري والميوعة، وإنما يكون بتعزيز الانتماء إلى هذا الوطن والتمسك بثوابته القيمية، والسعي لبناء علاقات متوازنة مع الغرب قوامها الاحترام المتبادل لهويات الشعوب وخصوصياتها الحضارية. المشكلة أن القائمين على هذه السياسات لا يريدون أن يقفوا قليلا عند هذه الحقيقة، ولا يريدون أن ينفتحوا عليها، بل إنهم لا يتسامحون مع الشريحة العريضة من الشعب التي تتبناها، ولذلك، أول تمرين للتسامح يفشلون فيه، هو أنهم حين يتعرضون لمثل هذه الانتقادات الوجيهة، يوجهون عنفهم الرمزي إلى هذه الشريحة العريضة من الشعب ويتهمونها بمحاربة الإبداع، وأي إبداع؟ إنه إبداع ولكن بثياب نوم.