يثير التقرير الأخير لمركز خدمة أبحاث الكونغرس للشهر الماضي حول التسلح في الدول النامية ودور القوى العظمى وعلى رأسها الولاياتالمتحدة في تغذية سباقات التسلح تساؤلات وملاحظات كثيرة حول الرهانات الحقيقية الكامنة وراء عدد من التوترات المهيمنة على العالم العربي والإسلامي، باعتباره السوق الرئيسية للسلاح الموجه للدول النامية، حيث جاءت الحقائق الواردة في التقرير صادمة، تكفي لوحدها لتفسير ما يقع، كما تقدم نفسها دليلا قويا على أن لا أمل في نهاية توترات المنطقة ولو على المدى المتوسط. أول ما يقدمه التقرير في هذا الصدد أن السنوات الثماني الماضية شهدت صعودا لافتا في اللجوء إلى سوق السلاح الدولية، حيث احتلت المنطقة الشرق أوسطية وحدها ما نسبته %42,4 من مجموع اتفاقات التسلح في العالم النامي بما قيمته 33,9 مليار دولار، وذلك في الفترة من 2001 إلى ,2004 ثم انتقلت النسبة إلى %54,6 من بين مجموع اتفاقات التسلح بما قيمته 83,3 مليار دولار في الفترة من 2005 إلى ,2008 وذلك بعد حرب العراق الأخيرة وما تعنيه للبعض من تراجع خطر عراق صدام حسين، لكنها عنت للبعض الآخر بروز الخطر الإيراني، مادام الخطر الإسرائيلي ثابتا لم يتغير، مع العلم أن اتفاقات الخاصة بالدول النامية شكلت %69,2 من مجموع اتفاقات التسلح في العلم ككل، بمعنى أن المنطقة الشرق أوسطية استقطبت وحدها أزيد من نصف صفقات التسلح للدول النامية وأزيد من ثلث اتفاقات التسلح في العالم ككل. ثاني الملاحظات تهم طبيعة الدول المنخرطة في سباق التسلح هذا، حيث كان لافتا مرة أخرى أن الكيان الصهيوني جاء متأخرا في المرتبة ضمن المنطقة الشرق الأوسطية حيث لم تتجاوز اتفاقات التسلح في 2008-2005 ما قيمته 3,5 مليار دولار، في حين جاءت السعودية ب 28,3 مليار دولار، والإمارات ب 12,8 مليار دولار، ومصر ب6,2 مليار دولار وسوريا ب 5,2 مليار دولار وبعدها المغرب ب 5 مليارات دولار، ثم الجزائر والعراق ب 4,6 مليار دولار لكل منهما، أي أن سبع دول عربية تقدمت على الكيان الصهيوني، بل إن خمس دول عربية احتلت موقعا ضمن الدول العشر الأولى من مجموع الدول النامية المستوردة للسلاح، مع العلم أن الكيان الصهيوني له ميزانيته الخاصة للصناعة العسكرية والتي تتيح له تلبية عدد من الاحتياجات، خاصة أن المؤشرات الرقمية الخاصة بميزانيته العسكرية تشير لاحتلالها ما نسبته %10 من ناتجه الداخلي الخام. أما ثالث الملاحظات، فهي أن الطرف الأول المستفيد من هذا الوضع في الفترة من 2008 2005 هو الولاياتالمتحدة الأميركية والتي تستقطب %55,96 من سوق التسلح في المنطقة، تليها المملكة المتحدة ب 16,76 ثم روسيا ب %11,36 وفرنسا ب %83, 4 وليس ما سبق سوى معطيات دالة على واقع يتشكل في مراكز صناعة السلاح أكثر منه في المؤسسات الممثلة لشعوب المنطقة، وتجعل من لوبي الصناعة العسكرية في العالم ككل وأميركا على وجه الخصوص فاعلاً وازناً في عملية صنع القرارات بالمنطقة وأحد المتدخلين في مساراتها، وذلك عوض الوهم القائم على المبالغة في النظر إلى مبادرات التسوية التي نجد الولاياتالمتحدة طرفاً فيها أو راعياً لها، بل يمكن القول إن مثل هذه المبادرات هي لتدبير النزاعات أكثر منها لحل النزاعات، وغني عن الذكر أن تدبير النزاع يعني في أحسن الحالات التحكم في سقفه حتى لا يخرج عن السيطرة وليس حله وإنهاءه. لكن في المقابل فإن سباقات التسلح ليست دائما خاضعة لحسابات الصراع مع إسرائيل أو الخوف من الامتداد الإيراني، فهناك الحالة المغاربية بين المغرب والجزائر، وهي حالة مستفزة لأنها تعبر عن وضع استنزاف غذاه نزاع الصحراء وما قبله أي منذ حرب الرمال في 1963 وما تزال قائمة حتى اليوم لتحول دون استثمار قدرات المنطقة على قلتها في مصلحة مشاريع التنمية. حقاً إنها لمفارقة بين أن تدعو إلى توجيه مقدرات الشعوب لتنميتها وبين أن ترى أن سباق التسلح لم يدع لعاقل فرصة التنبيه إلى استنزاف مدمر، حيث إن كل دعوة من هذا القبيل يسهل تفسيرها على أنها مجرد خدمة مجانية لمصلحة الطرف الآخر من السباق، وبين نداء العقل وضغط الواقع ضاعت مصالح الشعوب.