يبدو أن حادث إقدام مجموعة من الشباب على تنظيم محاولة فاشلة للإفطار العلني دخل منعطفا جديدا بعد أن تناقلت بعض الصحف خبر إقدام عائلة زينب الغزاوي على إشعار وزارة الخارجية الفرنسية حول مصير إبنتها التي تحمل الجنسية الفرنسية. بدءا نؤكد ما سبق أن ألححنا عليه من ضرورة التزام القانون وتوفير المحاكمة العادلة لهذه المجموعة، ذلك أن أي جرم أو جناية مهما كانت لا تبرر للسلطات الأمنية الخروج عن المقتضيات القانونية المتعلقة بحقوق المعتقل المحتجز لدى التحقيق. كما من حق عائلة زينب الغزاوي أن تضغط في كل اتجاه من أجل أن تتمتع ابنتها بالحقوق التي يكفلها القانون، ومن حقها أن تطمئن على ابنتها، لكن أن يصل الأمر إلى درجة الاستنجاد بالسفارة الفرنسية بالرباط ومنا تلاه من تصريحات نسبت للسفارة حول متابعتها للموضوع، فإن ذلك يطرح أكثر من سؤال حول حقيقة الجهات الخارجية الحاضنة في حالات والمستفيدة في حالات أخرى من الحركية المغربية الداخلية من أجل التدخل في السياسات الوطنية وإعاقة الاشتغال القانوني العادي المرتبط بمسرطة قانونية واضحة، فهذا يؤشر على مسار خطير يؤذن بوضع السيادة الوطنية في منطقة الخطر، ويعزز من دور موضوع الحريات الفردية كمدخل جديد للقوى الأجنبية للضغط على المغرب وابتزازه سياسيا واقتصاديا، وتذكر بما حصل في حالة منسق جمعية كيف كيف للشواذ والذي أعلن صراحة وجود دعم إسباني له أثناء سعيه للخروج للعلن. الأخطر من ذلك، أن بعض الناشطين الحقوقيين، تعاملوا مع الملف بتكييف يناقض حقيقة الوقائع ليضفوا عليه طابعا حقوقيا محضا ، فصارت - بمقتضى تكييفهم - محاولة الإقدام على الإفطار العلني مجرد حركة احتجاجية على اعتقال السلطة لبعض المفطرين في شهر رمضان ضاربين بعرض الحائط تصريحات متزعمي الحركة الصريحة في إثبات الجناية ومتغافلين عن كل الوقائع التي تؤكد تبييت الجناية وفي مقدمتها الأغدية التي كان يحملها عناصر المجموعة والذين اصبحوا يتحدثون عن غداء رمزي، والأكثر من ذلك نص الدعوة الخاصة بالأمر والمبثوثة على موقع الفايس بوك من أجل الإلتقاء أمام محطة القطار من أجل تنظيم إفطار جماعي ، بل إن جمعية بيت الحكمة أصدرت هذه المرة بيانا تتهم فيه الدولة بمحاولة إحياء الدولة الدينية، وتعتبر فيه أن الاعتقالات التي طالت عناصر هذه المجموعة يعد مسا صريحا بالحقوق الأساسية للمواطنين في التجمع والتعبير بشكل حر وبالطريقة التي يختارونها عن رأيهم وقناعاتهم وأفكارهم والتي قد لا تكون بالضرورة منسجمة مع آراء وقناعات غيرهم من المغاربة، ليصبح الأمر مجرد تعبير عن رأي في حين أن الوقائع مخالفة. يبدو أننا اليوم، أمام تحد مزودج، فمن جهة، هناك استنجاد بالقوى الأجنبية للتدخل باسم حماية الأقليات، و هناك من جهة ثانية، ناشطون حقوقيون يكيفون الموقف بشكل مغاير للواقع ويبرزون الوجه الواحد في العملة كما ولو كان الأمر يتخلص في تعسف مارسته الدولة في حق هؤلاء، وأنه لا يتعلق بانتهاك القانون واستفزاز الشعور الديني للمغاربة. والمشكلة، أن القوى الأجنبية تجد أمامها مستندين للتدخل، مستند الاستنجاد بها لحماية مواطنيها أو حماية حق الأقليات، ومستند بيانات جمعيات حقوقية تؤمن بأن السمو والأولوية للمواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، وتستثمر كل التجاوزات الأمنية لتجعل من ذلك مبررا إضافيا لتسويغ الخروج عن قوانين تعتبرها غير عادلة ولا مطابقة للدستور المغربي و تتناقض بشكل صريح مع الاتفاقيات الدولية. يبدو أن السيادة الوطنية والتشريع الوطني الذي يرمز إليها بات أمام تحد خطير، إذ هناك من يقدم ليس فقط على انتهاكه ولكن على تحديه بشكل سافر، ويمكنه في أي لحظة أن يشعر ورقة الاستنجاد بالقوى الأجنبية، وهناك في المقابل من يضفي على هذا الفعل طابع الشرعية من خلال استهداف القانون واعتباره مناقضا للاتفاقات الدولية. بعبارة، وكما سبق التأكيد على ذلك، هناك جهات فشلت في معركة النقاش العمومي حول الحريات الفردية، كما فشلت بالأساليب الديمقراطية أن تغير القوانين، وهي اليوم تريد أن تدخل في حركية جديدة لكسر الإجماع المغربي وانتهاك القوانين التي تعبر عن إرادة الأمة، متخذة من عنوان انتهاك القانون مدخلا لتغييره. لكنها بوعي منها أم بغير وعي، تجد نفسها في منتصف الطريق أمام تدخل أجنبي يتذرع بحماية الأقليات التي تستنجد بها. يبدو أننا اليوم أمام وضع صعب، يتطلب من الدولة والأحزاب وكذا مؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها الجمعيات الحقوقية، أن تبحث عن المعادلة الدقيقة التي لا تسمح من جهة بانتهاك القانون ولا تبرير الخروج عليه حتى ولو كان في نظر البعض يناقض المرجعية الدولية التي يتبناها، كما لا تسمح بتعريض السيادة الوطنية إلى الاختراق من طرق قوى أجنبية تبحث عن أي مدخل للضغط والابتزاز باسم حماية مواطنيها أو حماية الأقليات.