وحدها كلمات رئيس الحكومة المؤقتة إياد علاوي التي تضمنتها برقيته التي بثت أول أمس هي التي يمكنها التعبير عن عمق الأزمة التي كان يعيشها وحكومته، ومدى التعويل على عودة السيستاني لإخراجه منها. يقول علاوي في برقيته :"بروح يغمرها السرور نتوجه باسمنا وباسم الشعب العراقي النبيل بالترحيب بسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني بعد أن استجاب الله العلي القدير لدعواتنا ودعوات المؤمنين بالشفاء التام لسماحته". لم تكن الأزمة عادية بالفعل، فخروج الصدر على سربه الشيعي لم يكن يحرج فرقاء ذلك السرب أمام شعبهم ومعه الشيعة خارج العراق وجماهير الأمة عموماً فقط، بل كان يضع مشروع الاحتلال في مأزق كبير عبر جره للحالة الشيعية إلى مربع الصدام مع الاحتلال بدفع تيارها الشاب إلى الالتحاق بالصدر والانفضاض من حول الآخرين من المتعاونين مع الاحتلال، أكان منهم العلماني على شاكلة علاوي والجلبي، أم المعممين ومن يزعمون أنهم إسلاميون على شاكلة جماعة المجلس الأعلى أو حزب الدعوة. هكذا كان لا بد من الاستعانة بالسيستاني من أجل حل الأزمة، على رغم أن هذا الأخير لم يعد بذات البريق القديم، سيما بعد مواقفه الأخيرة وما قرأه الكثيرون من أن سفره للعلاج في لندن لم يكن إلا من أجل إفساح المجال لحكومة علاوي كي تقضي على جيش المهدي التابع للصدر، وهو ما سجلت فيه الحكومة فشلاً ذريعاً، الأمر الذي كان لا بد من أن يعيد القوم إلى خيار استخدام الثقل المعنوي للسيستاني أو ما تبقى منه في سياق حل الأزمة. ما يؤكد أن السيستاني لم يعد هو ذاته القديم هو حجم الجماهير التي لبت دعوته للذهاب إلى النجف، حيث لم يخرج له سوى الآلاف مع أن دعوة كهذه في السابق كان يمكنها حشد مئات الآلاف إن لم يكن أكثر من ذلك. كيف يمكن للمراقب أن يقرأ الحل الذي تم التوصل إليه في سياق الحديث عن مصير التيار الصدري؟ واق الحال هو أن الصدر لم يخسر الجولة خلافاً لما يمكن أن يراه البعض، كما أن السيستاني لم يربحها ومعه الحكومة التي جاملها بوضع النجف تحت ولايتها بدلاً عن قوات الاحتلال، مع أن الجميع يدرك أن أمن الحكومة هو أمن الاحتلال، بدليل توحد دمها مع دم الاحتلال في معارك النجف ومدينة الصدر، فضلاً عن الفلوجة وسامراء وبعقوبة. ربما خرج الصدر من النجف تاركاً الصحن الحيدري وكنوزه وعوائده الكبيرة في يد آخرين، ومفسحاً المجال للحكومة التي يعتبرها عميلة لدخول المدينة، لكنه بالمقابل لم يخرج ذليلاً، ولا حتى مطروداً من الجماهير كما كان يبشر أذناب الاحتلال. من المؤكد أن الإيرانيين قد دخلوا على الخط، أكان مباشرة أم من خلال آخرين يكن لهم الصدر الاحترام مثل حزب الله. وخلاصة التدخل هو عدم إفساح المجال لشطب التيار الصدري، في ذات الوقت الذي يبقي فيه على حضور معقول للسيستاني. والسبب هو استمرار المراهنة على تعاون بعض الشيعة مع الاحتلال، مع التواصل والمحافظة على تيار ثبتت أهميته في سياق المناكفة مع الأمريكان الذين لن يتركوا إيران وشأنها ما دام الإسرائيليون يحرضون عليها وعلى قدراتها النووية. وحده دخول الصدر في اللعبة السياسية هو ما سيؤدي إلى تحجيمه، وهو ما ورد عملياً في بنود الاتفاق، لكنه لن يكون ملزماً في الواقع لأن العملية السياسية لا تعني بالضرورة الدخول في المؤسسات التي بنيها الاحتلال. ولما كان الصدر مدركاً لمعادلة أن الرفض والتحدي هو ما منحه القوة فإن مغادرته لهذا المربع ليست مرجحة، ما يبقي على الآمال باستمرار منهجيته القائمة والتي تزيد في أزمة الاحتلال مع المقاومة التي يزداد حضورها رغم التعتيم الإعلامي الرهيب. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني