بعد أن ترددت الأنباء عن قرب تقديم السلطات الصينية لحوالي 200 من المسلمين للمحاكمة هذا الشهر على خلفية أحداث يوليوز الماضي في مقاطعة شنغيانغ الغني بالنفط والغاز، والمعروف تاريخيا بتركستان الشرقية، خرج متحدث رسمي باسم الحكومة المحلية لنفى ذلك حسب وكالات الأنباء يوم الأربعاء 26 غشت 2009، وهو نفي صدر بتزامن مع كشف التلفزيون الصيني أن الرئيس هو جينتاو زار المنطقة وأعلن أن الهدف الأكثر إلحاحا هو استقرار المقاطعة بحسب مقطع من خطاب له في الزيارة. الواقع أن نفي حصول المحاكمة وفي الوقت نفسه التأكيد على أن الهدف هو استقرار هذه المقاطعة يحمل دلالة على الأزمة العميقة التي تعرفها السياسة الصينية في تدبير علاقتها بأقلية الإيغور المسلمة، والتي يفوق عددها عشرون مليون نسمة، فقد أدت الأحداث التي تراكمت منذ حوالي شهرين إلى كشف معاناتهم مع سياسة تهميش واستهداف من جانب الحكومة المركزية في بكين. ما يجري ليس سوى فصل جديد من فصول مسار طويل من الاستهداف الصيني لهذا الشعب المسلم، والمحاكمات التي ستتم هي في جوهرها محاكمة سياسية لشعب بأكمله، ونتجت عن احتجاج سلمي يطالب بالتحقيق في ملف مقتل عدد من أبنائه نهاية شهر يونيو الماضي على يد عمال من عرقية الهان التي تمثل الغالبية في الصين، لكن عوضا عن ذلك تم قمع الاحتجاج، وبعنف دموي أدى إلى سلسلة احتجاجات في شهر يوليوز، وهو ما فتح من جديد ملف مأساة ومعاناة شعب الإيغور، منذ عملية الضم التي تمت لأرضه بقوة السلاح في سنة .1949 وبالرغم من حركة الاحتجاجات الشعبية لأنصار وأبناء شعب الإيغور في العالم، فقد جرى قمع احتجاجات يوليوز الماضي في ظل سكوت مريب من العالم العربي والإسلامي، وذلك بمستوييه الرسمي والشعبي، باستثناء المواقف التي عبرت عنها كل من تركيا ومنظمة المؤتمر الإسلامي، واليوم يجري التحضير لهذه المحاكمات دون ردود فعل قوية ومعبرة عن تضامن إسلامي في حده الأدنى، لاسيما وأن سياسات الانفتاح الاقتصادي الخارجي للصين ستجعلها أكثر انتباها لما قد يهدد تنامي توسعها التجاري في العالم العربي عموما. والمثير أكثر هو أن نشهد جهات مدنية غربية تتحرك لطرح المشكل واستكار الظلم الواقع على المسلمين الإيغور في وقت يخفت فيه الصوت العربي والإسلامي عن مناهضة مأساة حادة لشعب مسلم مهدد في مستقبله، وبطريقة غير مفهومة بشكل كلي، اللهم إلا ما قد يثيره البعض من تفضيل المغرب لتجنب الحديث العلني في الموضوع بسبب الموقف الصيني الإيجابي في موضوع الصحراء، خاصة وأن الصين عضو دائم في مجلس الأمن. حالة الصمت، والتي تتجاوز دوائر التوجهات الحركية الإسلامية لتشمل باقي الفئات والجهات وخاصة منها الحقوقية، تضع هذه المكونات اليوم أمام امتحان صعب لمصداقيتها ومدى إيمانها الحقيقي بكونية مبادئ حقوق الإنسان.