قرار إعفاء والي جهة مراكش تانسيفت الحوز فتح المجال لتحليلات سياسية عديدة، كلها مع اختلاف تفسيراتها تتفق على أن الحدث له تداعيات خطيرة ليس فقط على حيادية واستقلالية مؤسسات الدولة، ولكن أيضا على مستقبل العمل السياسي برمته، لاسيما وأن تجاوب وزارة الداخلية مع مطالب حزب الأصالة والمعاصرة باتت يحمل أكثر من رسالة سياسية، سواء تعلق الأمر بقضية الرحل وتطبيق المادة الخامسة من قانون الأحزاب، أو تعلق بالتهديد الذي أطلقه حزب الأصالة والمعاصرة على وزارة الداخلية بعد إصدار المحكمة الإدارية لحكم ابتدائي يقضي بإلغاء نتائج انتخابات دائرة المنارة بمراكش. ذلك أن رفض وزارة الداخلية الاستجابة لحزب العدالة والتنمية بفتح تحقيق بمدينة وجدة، والهجوم العنيف الذي جسده بلاغها ضد هذا الحزب، وكذلك رفضها الاستجابة لمطالب سبعة أحزاب في مقدمتها حزب الوزير الأول لفتح تحقيق في مدينة الرباط على خلفية خروقات انتخابية فاحشة لا تقارن بدائرة مراكش المنارة، كل ذلك، يدفع بالاعتقاد بأن قرار وزارة الداخلية لا يمكن اعتباره إلا قرارا سياسيا يعكس الرضوخ التام لابتزاز حزب الأصالة والمعاصرة، ويكشف ليس فقط عدم حيادية وزارة الداخلية، ولكن أيضا، وهذا هو الأخطر، يكشف تأثيرها على القضاء، لاسيما وأن النازلة هي بصدد مداولات القضاء في الدرجة الاستئنافية. لكن الأخطر من ذلك كله، أن قرار العزل بقدر ما كانت بعض الجهات تضغط من أجل تحقيقه ومن ثمة إرهاب القضاء لتغيير حكمه الابتدائي، بقدر ما حمل معه تداعيات كان من الحكمة ألا يخطئها مهندسو القرار في وزارة الداخلية، فالقرار حتى وإن بدا في ظاهره محاولة لاستدارك ما وصفه بلاغ الداخلية باختلالات كبيرة على مستوى التنظيم والتنسيق بالمصالح الإدارية للولاية بإلقاء المسؤولية على مسؤول واحد، إلا أنه صار من الصعب، بعد صدور قرار الإعفاء، إقناع الرأي العام بعكس الحقائق الآتية: - الحقيقة الأولى: بطلان نتائج انتخابات ليس فقط دائرة مراكش المنارة، ولكن في عموم ولاية مراكش، على اعتبار أن الولاية هي التي الجهة المشرفة على الانتخابات، وأن تأكيد لجنة التحقيق على ضلوعها في تزوير الإرادة الشعبية في دائرة واحدة، ينهض دليلا قويا على أن العملية الانتخابية في جهة مراكش برمتها خضعت لنفس المنطق. الحقيقة الثانية: وهي متفرعة عن الأولى، إن لم تكن أصلا لها، ذلك أن إلصاق التهمة بمسؤول واحد هي في جوهرها لا تعدو أن تكون محاولة لإخفاء العطب البنيوي في الإدارة الترابية، ذلك أنه من الصعب أن يقتنع الرأي العام بأن ما وقع في مراكش كان تصرفا فرديا، وأن الوالي وحده يتحمل فساد العملية الانتخابية. لاشك أن قرار الإعفاء الذي أريد له أن ينهي الموضوع بترضية حزب سياسي وإدانة شخص مسؤول والضغط على القضاء، وإظهار الداخلية في صورة الأداة الكاملة الجهوزية لمحاربة الفساد، جاء ليؤكد بأن الفساد لا يرتبط بأشخاص ومسؤولين فقط، ولكنه يرتبط أساسا ببنية الإدارة الترابية. الحقيقة الثالثة: وهي حاصل الحقيقتين السابقتين، وهي أن الانطباع العام الذي بدأ يسود الرأي العام أن وزارة الداخلية فقدت حيادها السياسي، وصارت أداة من أدوات حزب سياسي سيدفعه خضوع الداخلية للانطلاق لترهيب رجال السلطة في كل التراب الوطني وابتزازهم، ليس فقط للحصول على ما يتصوره هذا الحزب حقه، ولكن لترضيته وحده دون بقية الفاعلين السياسيين. وهي الخلاصة التي تعني أن وزارة الداخلية بسلوكها تدفع المغرب نحو منزلق خطير يسود فيه الحزب الواحد، وهو المنزلق الذي حاربه الدستور، وواجهته المؤسسة الملكية إلى جانب الفاعلين السياسيين، معتبرين إياه خطا أحمر، لكن وزارة الداخلية للأسف بسلوكها تدفع الفاعلين السياسيين إلى الاعتقاد بأن المغرب يرتد إليه. الخلاصة المركبة من مجموع هذه الخلاصات، أن العطب بنيوي، وأن أي محاولة لإخفائه بدهون ومراهم زائفة لا يمكن أن تؤول إلا إلى مزيد من قتل ما تبقى رصيد تجربة الانتقال الديمقراطي في المغرب.