ثمة حاجة للوقوف بتمعن إزاء التطورات التي تجري على صعيد التحالفات بين الأحزاب السياسية لتشكيل المجالس، خاصة في المدن الكبرى، وقراءة دلالاتها السياسية العامة، وتداعياتها على المؤسسات المنتخبة وعلى المسار الديمقراطي في المغرب. ففي الوقت الذي كشفت فيه نتائج اقتراع 21 يوينو عن خريطة سياسية تتجه تدريجيا بفضل اعتماد عتبة 6 في المائة للقطع مع واقع البلقنة السياسية، وفي الوقت الذي بدأت فيه التحالفات تجري بشكل معقلن يحترم هذه النتائج، وفي الوقت الذي ساد نوع من الارتياح لهذه النتائج من مختلف القوى السياسية، إذ لم يسجل عن اي حزب تقديم طعن سياسي فيها، في هذا الوقت، وبعد مرور أكثر من يومين عن انطلاق عملية التقارب والتنسيق بين الأحزاب السياسية، تتدخل بعض القوى السياسية بذات المنطق الذي بررت به وجودها وضمنت به ومن خلاله الموقع الذي تصدرت به نتائج الانتخابات، لتفسد نتائج الانتخابات وتعبث بها، وتخاطب الأحزاب السياسية كما ولو كانت ممثلة للدولة ناطقة باسمها. في الدارالبيضاء، وبعد أن مضى التحالف في خيار الاستمرارية، وبعد أن أفشل عمدة المدينة السابق محمد ساجد كل محاولات تفجير التحالف القائم بين الاتحاد الدستوري والعدالة والتنمية، تتحدث مصادر حزبية عن تدخل سياسي خاطب الاتحاد الدستوري بمنطق الدولة وتعليماتها لفك التحالف مع العدالة والتنمية، وهو نفس الأسلوب الذي تم اعتماده في مدن أخرى للضغط على بعض الأحزاب لفك ارتباطها بالعدالة والتنمية. ولأن الأمر يتعلق بمحاولات تهدد الديمقراطية في المغرب، وبمنطق جديد في إفساد نتائج العملية الانتخابية والعبث بها يتدخل باسم الدولة ومصلحتها الوطنية ويتجاوز المنطق السابق الذي كان يعتمد شراء الذمم وأسلوب اختطاف المستشارين واتخاذهم رهائن حتى تتأمن تشكيلات المجالس الجماعية، ولأن الأمر وصل إلى الحد الذي تطالب فيه بعض الأحزاب السياسية علنا بأن تتدخل الجهات العليا لإيقاف هذا العبث وحماية الديمقراطية، فإن الحاجة أضحت ماسة إلى الوقوف على الأقل على ثلاث ملاحظات: - الأولى:إن الضغوط التي تنخرط فيها سواء الإدارة أو القوى التي تستغل الحديث بمنطق الدولة لتفكيك تحالفات لا تحقق مصالحها الخاصة، لا تمس فقط بنتائج العملية الانتخابية، ولكنها تأتي لتعبث بإرادة الجماهير التي يبدو أن جهودا كثيرة بذلت ويفترض أن تبذل لكسب انخراطها ومشاركتها في العملية الانتخابية. وفي الوقت التي يتم به التدخل بمنطق لاديمقراطي يعتمد مقولة تعليمات الدولة ومصلحتهايتم الاعتداء على إرادة الجماهير التي من المؤكد أنها لن تشارك بنصف الكثافة التي شاركت بها في هذه الانتخابات وهي ترى العبث الظاهر بإرادتها. - الثانية: أن الحديث باسم إرادة الدولة و مصلحتها، يضع يطرح تحديا خطيرا حول مصداقية المنافسات السياسية والانتخابية الجارية. حيث لا أحد يملك أن يتحدث باسم المصلحة العليا للبلاد، وأنه مهما كانت الارتباطات والصلات، فإن الأحزاب كلها أحزاب وطنية، وألا مجال لشيطنة بعضها، كما أنه لا يصح ديمقراطيا أن يكون بعضها أولى من بعض بمعرفة ما تريده الدولة وما لا تريده، والأحزاب التي ينبغي أن تشكل هذا التحالف والأحزاب التي ينبغي أن تخرج منه. - الثالثة:أن السلطة اليوم أمام تحديين: إما أن تدافع عن العملية الديمقراطية وتضمن تكافؤ الفرص بين الأحزاب وتبعد يدها عن التدخل فلتوجيه المنتخبين في هذا الاتجاه أو ذاك، وتطئمن الأحزاب السياسية بأن عملية تشكيل المجالس تخضع لمنطق ديمقراطي تحترم فيه نتائج العملية الانتخابية ولا يملك أحد مهما كانت ارتباطاته أن يغيره لأهدافه الخاصة، وهو الخيار الذي يفترض في سلطة ديمقراطية، وإما أن تنحاز إلى جهة معينة وتنخرط في العبث بنتائج العملية الانتخابية. وفي جميع الأحوال، يبقى السؤال مطروحا، هو ما الجدوى من إجراء عملية انتخابية إذا كانت السلطة السياسية ستتدخل للتحكم في توجيه التحالفات أو على الأقل ستغض الطرف عن القوى السياسية التي تتدخل باسم الدولة لتفسد العملية الديمقراطية برمتها؟