سمح رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، فيما يبدو، للجنة التحقيق التي وافق على تشكيلها مؤخرا للبحث في الظروف التي أدت الى مشاركة بريطانيا في حرب العراق، أن تقوم باستدعاء سلفه توني بلير بغرض الاستجواب. ويبدو أن الانقلاب الفاشل الذي حاول بعض الوزراء المقربين من بلير القيام به ضد براون الاسبوع الماضي أقنعه أخيرا بأنه يكيل الصاع صاعين له ولأنصاره في الحكومة. وكان عدد من الوزراء الذين يُلقبون بـالبليريين دعوا الى إزاحة براون من منصبه عشية وغداة الانتخابات الأوروبية التي سجل فيها حزب العمال نتائج هزيلة قبل أسبوعين. وقالت صحيفة ذي صن إن بلير، الذي وافق على إشراك بريطانيا في غزو العراق بقيادة الولاياتالمتحدة عام ,2003 سيكون شاهداً رئيسياً في التحقيق. وأضافت أن كبار القادة العسكريين البريطانيين الذين سيدلون بشهاداتهم أمام لجنة التحقيق سيصرّون على أن الاحتلال البريطاني لجنوب العراق كان محدوداً جداً وعانى من ضعف التمويل وسوء التجهيز، لكن اللجنة لن تجبر أي واحد منهم على تقديم أدلة وستستمع إلى إفاداتهم وراء أبواب موصدة. وأشارت ذي صن إلى أن بلير الذي استقال من منصبه في يونيو 2007 أبدى استعداده لتقديم أدلة إلى لجنة التحقيق بشأن الدور الذي لعبه في مرحلة الاعداد لغزو العراق عام .2003 وكان براون أعلن الإثنين أمام مجلس العموم (البرلمان) تشكيل لجنة مكونة من خمسة أعضاء لإجراء تحقيق في حرب العراق، قال إنه سيكون مستقلاً ويغطي الفترة من صيف العام ,2001 أي قبل نحو عامين من بداية العمليات العسكرية في مارس ,2003 وحتى نهاية يوليوز من عام 2009 الحالي. وأشار براون إلى أن لجنة التحقيق ستتمتع بمداخل إلى جميع المعلومات الحكومية ومن ضمنها الوثائق السرية ذات الصلة بحرب العراق وصلاحيات تخوّلها استدعاء أي شاهد بريطاني للمثول أمامها، وستستمع إلى الأدلة وراء أبواب موصدة لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي. من جانبه، وصف المحلل السياسي جوناثان ستيل قرار رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون إجراء تحقيق سري في حرب العراق بأنه فضيحة. وقال ستيل في مقال له بصحيفة الجارديان البريطانية أول أمس: إن بريطانيا بحاجة ماسة لتعلم الدروس من أشد القرارات السياسة أهمية في العقد الماضي وإن تحقيقا ملتويا وسريا لن يفي بهذا الغرض. ولفت المحلل السياسى البارز إلى أن رئيس الوزراء البريطانى كان قد ألزم نفسه قبل أسبوع فقط بروح جديدة من المسؤولية العامة وإستشارة الأحزاب الأخرى فيما يتعلق بإصلاح الإنتخابات البرلمانية وتعزيز دور أعضاء البرلمان وإستقلاليتهم وكذلك دور اللجان البرلمانية المنتخبة ، ومن هنا يأتي قراره حول طبيعة التحقيق في حرب العراق مناقضا لهذه الروح. واستغرب الكاتب كيف يمكن لبراون أن يعتقد أن بوسعه وحده أن يملي كيفية إجراء التحقيق دون استشارة زعماء الأحزاب الأخرى أو على الأقل السماح بمناقشته في البرلمان. وتساءل: كيف يمكن مناقشة قضايا حاسمة في السياسة العامة سرا؟، هذا التحقيق لا ينظر في قضايا مستقبلية أو حتى حالية وإنما يتفحص التاريخ. وأشار ستيل إلى ضرورة أن يجري التحقيق حول الحرب على العراق بشكل علني وقال: يبدو أن براون ربما يخشى من أن تلحق جلسات إستماع علنية قبل الإنتخابات العامة أضرارا بفرص حزب العمال بالفوز فيها ، مضيفا بأن فرص الحزب محدودة أصلا في أفضل الأحوال والكشف عن الكيفية التي إتخذت بها الحكومة القرار قبل وبعد حرب العراق لن تؤدي إلى تحول كبير في الأصوات. ورأى ستيل أن الشيء الذي قد يؤدي بالفعل إلى تحول كبير في أصوات الناخبين ولصالح حزب العمال هو البرهان على أن هذه الحكومة تفكر فعلا في تعلم الدروس من أجل المستقبل وتدعو الجمهور للنقاش وتظهر بذلك أنها تحترم الديمقراطية.