يومان تفصلنا عن اقتراع 12 يونيو، وبالرغم من ذلك فإن نذر كل من العزوف عن المشاركة والفساد الانتخابي تصاعدت بشكل بارز في الأيام التي شهدتها الحملة الانتخابية، بما يهدد بإفراغ المراجعات التي تم اعتمادها على مستوى الانتخابات الجماعية من محتواها، وخاصة عتبة 6 في المائة من الأصوات التي وضعت للحد من البلقنة وتشتت الأصوات والدفع في تشكيل مجالس جماعية منسجمة وقوية، إلا أنها في ظل العزوف الانتخابي ستصبح بدون معنى أو أثر حقيقي، والأكثر من ذلك تضع البلد على حافة أزمة سياسية تجاوز الأزمة الحكومية المفتعلة، مادام التفاعل الشعبي مع العملية الانتخابية تفاعلا مطبوعا باللامبالاة والسلبية ، ويجعل من المؤسسات المنتخبة مؤسسات هشة وضعيفة. لكن هل ينبغي الاستسلام لهذا الواقع؟ قد يختار البعض الحل السهل، والذي يسوق له تحت اسم المقاطعة ظنا منه أنها ستدفع من يهمهم الأمر إلى الإيمان بضرورة الإصلاح الجذري والانخراط في تطبيق مقتضياته، لكن الواقع يسير خلاف ذلك، ولو كان ذلك سيقع لحصل بعد انتخابات شتنبر ,2007 ولهذا لا نتردد في القول بأن المستفيدين من وضع اللامبالاة والسلبية من المتنفذين هم من يقفون في وجه الإصلاحات العميقة، لأنها ستضعهم أمام المساءلة الشعبية وفي مواجهة المراقبة السياسية الحقيقية. الواقع الحقيقي، هو أن العزوف أصبح من أدوات خدمة مشروع الفساد الانتخابي، لأن هذا الأخير لا يمكنه أن ينجح إلا في ظل مشاركة ضعيفة تتيح له تجاوز عقبة الحصول على 6 في المائة من الأصوات، وهو ما يعني أن ربحه يتحقق كلما تقلصت نسبة المشاركة، لتقلص معها عدد الأصوات المشكلة للعتبة، لاسيما في ظل التراخي المثير في مواجهة الأساليب الحديثة للإفساد الانتخابي. من المسؤول عن ذلك؟ بوضوح تبرز ثلاث مسؤوليات، حيث تشترك الدولة مع الأحزاب والمواطنين في تحمل قدر من المسؤولية عن الوضعية المتردية للمشركة الانتخابية التي بلغها المغرب، ولئن كانت تصريحات المسؤول السابق في الداخلية عن فضح دور عدد من الولاة في صنع الخرائط الانتخابية، وهي التي تشكل أكبر دليل على عمق الفساد الانتخابي، فإن قطاعا كبيرا من الأحزاب وخاصة منها من استمرأ هذه الوضعية وأصبح هو الآخر رهينة بيد تجار الانتخابات ومن له القدرة على الدفع أكثر، مما جعل قطاعا من الأحزاب مؤسسات لإنتاج الفساد الذي تزعم محاربته، وهو ما نلحظه في الفقر الكبير لبرامج عدد من الأحزاب إلا من استثناءات قليلة، أما المسؤولية الثالثة فتبرز أساسا في ذلك السلوك الانسحابي والسلبي إزاء عمليات الفساد الانتخابي التي تمارس أمامهم، وإشاعة ثقافة القبول بذلك الفساد والتواطؤ على التطبيع معه، وهذا السلوك يتجاوز من حيث انتشاره حالات القبول ببيع الأصوات والمتاجرة فيها. إن معركة اقتراع 12 يونيو هي معركة مزدوجة لمواجهة العزوف والفساد، وذلك لن يتحقق إلا بفعل شعبي.