لا أحد يشك في حسن النية التي تولد عنها مقترح الامتحانات التجريبية، التي تجريها أكاديميات المملكة لفائدة تلامذة الباكلوريا، لكن الناظر المتابع لامتحانات هذه السنة، لا شك أنه سيقف عاجزا عن استيعاب حقيقتها ومغزاها، إذا ما ربط ذلك بالإطار الزمني التي أجريت فيه من جهة، ثم حجم ما تعنيه هذه الامتحانات للتلميذ والأستاذ على حد سواء من جهة أخرى. إن الأصل في الامتحان التجريبي أنه إعدادي تحضيري للامتحان الرسمي، لدى لا يمكن أن تتحقق الفائدة منه إلا بعد التصحيح الجماعي بين التلميذ و الأستاذ، حيث يتم الوقوف على مكامن الخلل والضعف ومن ثمة، يستطيع الأستاذ حقيقة وضع يده على ما يراه في حاجة إلى دعم أو مراجعة، كل هذا وغيره مما يمكن أن يُحسب فائدة في هذا الامتحان يغيب في الامتحانات التجريبية، التي أجريت ببعض نيابات جهة الدارالبيضاء الكبرى أيام 20 19 18للثانية باكلوريا ثم 21 ـ 22 للأولى باكلوريا من شهر مايو لسنة 2009 علما أن الامتحان الرسمي الوطني حُدّد موعده في 02 ـ 06 ـ 2009 يعني لا مجال للتصحيح أو الدعم أو المراجعة. إن ممّا يزيد الحيرة ويُعجز العقل عن الإجابة، هو جدوى تصحيح أوراق هذا الامتحان وقد علمنا أنه لن يستثمر في دعم، ولن تحتسب نقطته ضمن المراقبة المستمرة، وهذه كارثة أخرى، وباعث مباشر يجعل التلميذ نفسه يتعامل مع هذا الامتحان باستخفاف في أفضل الأحوال، فمن باب أولى وقد علم أنه لن يستفيد من دعم أو تقويم بعدي، وأنه غير مُحاسب عليه. في الحقيقة لن يحتاج المتتبع لهذه الامتحانات إلى عناء كبير، حتى يستوعب حقيقة ما أرمي إليه، أقصد بذلك الطريقة المبتذلة التي يُعامل بها هذا الامتحان من طرف التلميذ، ذلك أن الكثير ممن حضروا لاجتيازه إنما حضروا درء لمفسدة خصم النقاط الأربع، الذي هددت بها إدارات المؤسسات - محاولة منها لإضفاء بعض الجدّية على الامتحان - بحيث ما تكاد تنقضي 15 دقيقة على بداية الاختبار حتى تظهر حشود التلاميذ وقد قصدوا باب المؤسسة طلبا للمغادرة، بعد أن سلموا أوراق تحريرهم بيضاء لا شية فيها، والسواد الأعظم ممن ثبت مكانه، يبقى وقد افتقد إلى أبسط لوازم الامتحان، حيث حلّت بطاقات الهاتف العمومي محل المسطرة بشكل قارب الظاهرة، وهذا غاية في الإسفاف والابتذال. كل هذه الأمور وغيرها ليس سوى نزر يسير مما يمكن أن يقال في شأن هذا الامتحان، الذي أفقد و يُفقد الامتحان هيبته وحقيقته، وليس من رأى كما من سمع، ولا يخفى ما لهذا الأمر من الخطورة في تمييع معنى الامتحان في ذهن التلميذ. لقد غاب في هذا الامتحان أدنى مستويات المصلحة التي يمكن أن تُرجى منها، فما الذي يبقى بعد المصلحة إلاّ المفسدة؟، لأجل ذلك كله نقول: إن هذا الامتحان بأوصافه التي ذكرنا، لا يعدو أن يكون ضربا من العبث، وصورة واضحة للارتجال، وسوء الفهم والإدراك الحقيقيين لمعنى الامتحان التجريبي، الذي يبقى الأصل فيه و الغاية منه إعداد التلميذ على المستوى النفسي و المعرفي، للامتحان الرسمي، وهذا لا يتأتى إلا بعد تصحيحه ثم مدارسته بين الأستاذ والمُستهدف، ببيان ما يحتاج إلى بيان، و تقويم ما اعوجّ فهمه و تصوّره، فكفى عبثا واستهتارا، وهدرا للوقت والمال في وقت نحن أشّد ما نكون حاجة إليهما.