لعل إعادة طرح هذا السؤال له مشروعيته، فهو السؤال الوحيد الذي لم تتم الإجابة عنه بعد، بالرغم من مرور ست سنوات على تلك الأحداث الدموية، التي رأى فيها البعض أنها كسرت الاستثناء المغربي، وكانت لها نتائج على أكثر من مستوى، سياسية ودينية وثقافية وغيرها. شهادة الناجي الوحيد في شهادته أمام المحكمة، خلال محاكمة شيوخ ما يسمى بالسلفية الجهادية، أعاد محمد العماري، أحد الذين لم يفجروا أنفسهم في أحداث 16 ماي إلى الواجهة هذا السؤال المقلق لأكثر من جهة، على رأسها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، فهو لم يكتف بإعادة السؤال حول لغز 16 ماي، ولكنه ذهب بعيدا نحو قلب كل ما كان يظن أنه حقيقة تتمثل في أن القائمين وراء 16 ماي هما تنظيما السلفية الجهادية والصراط المستقيم؛ كما جاء في تصريحات صحفية لمدير مديرية مراقبة التراب الوطني حينها الجينرال حميدو لعنيكري. كان هذا الجواب هو المخرج حينها من مسؤولي الأجهزة، وذلك مباشرة بعد الأحداث، حيث طرح التساؤل حول الجهة، فربطت الجهات المسؤولة في البداية ما وقع في 16 ماي بالشبكات الإرهاب الدولية، والقصد طبعا هو تنظيم القاعدة الذي تزعم أحداث 11 شتنبر بالولايات المتحدةالأمريكية، ربما لامتصاص حالة الغضب، وتجبنا للحرج في الجواب على السؤال/اللغز، سواء أمام المواطنين أو أمام الأجهزة الأمنية الأجنبية التي حجت إلى المغرب حينها بكثافة، غير أن الذي بعثر الأوراق أكثر على هذا الرواية هو صدور بيان لأحد الجماعات تطلق على نفسها الصاعقة؛ تتبنى فيه عمليات الدارالبيضاء. وبالرغم من ذلك فإن التحقيقات التي قامت بها السلطات الأمنية أكدت لها أن السلفية الجهادية والصراط المستقيم هما من وراء تلك الأحداث!؟ ثم يعود محمد العماري ليحرّك المواجع من جديد في تصريحه أمام استئنافية البيضاء يوم 20 مارس الماضي، حيث برأ الشيوخ الثلاثة: الكتاني وأبي حفص والفيزازي، من الأحداث، بينما الأمن المغربي يرى فيهم شيوخ السلفية الجهادية التي اتهمت بأنها وراء ما وقع . تصريحات العماري الأخيرة خلخلت كل شيء، وأعادت السؤال من جديد إلى الواجهة: من وراء أحداث 16 ماي؟ فالعماري أكد غير ما مرة أن العقل المدبر لأحداث 16 ماي ليس سوى عبد الفتاح بوليقضان، وهو الشخص الذي تجاهلته السلطات الأمنية كلية، وبنت روايتها على أن العقل المدبر هو شخص آخر يقطن بمدينة فاس، ويدعى عبد الحق مول السباط، هذا الأخير توفي بالسجن في ظروف غامضة، ووفاة مول السباط، الذي لم يكن سوى صانع أحذية تقليدي، يعني اختفاء الخيط الرابط بين المنفذين والمخططين. أما الذي زاد الأمر غموضا في شهادة العماري فهو قوله أمام المحكمة إن إفاداته التي أدلى بها عقب الأحدث تم تزويرها، وإن عناصر الأمن التي تكلفت بالتحقيق معه طبخت المحضر طبخا، وقدمت رواية للأحداث غير دقيقة، الأمر الذي يطرح السؤال حول من هو المستفيد من تزوير المحاضر وفبركة الاتهامات؟ الرواية الإسبانية لكن لم تقدم السلطات المغربية معلومات مقنعة للرأي العام بخصوص الصلة والروابط بين الذين قاموا بأحداث 16 ماي والشبكات الدولية للإرهاب بشكل ملموس. وفي سياق الغموض الذي كان يلف الرواية الرسمية صدر تقرير عن القاضي الإسباني بالتزار غارسون الذي كشف أن التخطيط لأحداث 11 شتنبر التي وقعت بالولايات المتحدةالأمريكية تمّ بمدينة تارغون الإسبانية من قبل مجموعة أنور الدحداح التي تضم مغاربة، خمسة منهم اعتقلوا، وردت أسماؤهم في التحقيقات في كل من أمريكا والرياض والدارالبيضاء. وهذا هو المسار الذي سلكه المحققون المغاربة للربط بين الذين قاموا بأحداث 16 ماي 2003 وشبكة الإرهاب الدولية. حينها خرج وزير الخارجية المغربي ليصرح بأن العديد من الإشارات تدل على أن بعض الإرهابيين (وليس كلهم)، الذين ألقي عليهم القبض، تربطهم بطريقة أو أخرى روابط مع عناصر إرهابية من شبكة القاعدة الدولية. وقال أيضا إن أهم دليل على تورط ما أسماه الشبكة الإرهابية الدولية هو اختيار الأماكن المستهدفة بتلك الأعمال. واستنتج الوزير المغربي من ذلك أن العقل المدبر لهذه الأعمال لا يعرف جيدا الدارالبيضاء، وأنه قام بزيارة خاطفة للمدينة وحدد الأماكن المستهدفة وسط المدينة. ما قالته الجهات المسؤولة هو أن الروابط مع الخارج مؤكدة، وصرّحت أن التحقيقات مع المعتقلين على خلفية تلك الأحداث كشفت بعض الأسماء من جماعتي السلفية الجهادية والصراط المستقيم سافرت إلى الخارج، غير أن السؤال الذي يطرح بهذا الصدد هو أن المجموعات التي ذكرت لم تسجل أي أحداث مشابهة من قبل، اللهم إلا سلوكات أفراد في جماعات الهجرة والتكفير قامت بها بشكل منفرد. الأمر الذي يرسخ الاعتقاد بضرورة البحث بجدية في الروابط الخارجية للظاهرة كعنصر أساسي في تبلورها. الهمة وأزولاي والدفاع الفرنسية في وثيقة لوزارة الدفاع الفرنسية ترجع إلى يونيو ,2003 نشرت أسبوعية لوجورنال في عددها لأكتوبر 2006 مقاطع منها تضمنت تصريحات لأربعة وزراء في الحكومة المغربية حينها هم: كاتب الدولة في الداخلية سابقا فؤاد عالي الهمّة، ومستشار الملك أندري أزولاي، والوزير السابق في الداخلية إدريس البصري، وأيضا الوزير السابق في الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الكبير العلوي المدغري، حاولوا فيها تفسير حدث 16 ماي، تم طرح أسئلة جد مقلقة للعقل الأمني المغربي. منها تلك التي وردت على لسان أندري أزولاي، الذي كشف أن فندق الفرح الذي كان من بين الأماكن المستهدفة، كان به اجتماع أمني كبير بين الضباط المغاربة ونظرائهم الأمريكيين، والسؤال هنا في نظر أزولاي هو: لماذا تم استهداف فندق الفرح وحده دون غيره؟ ومن أعلم المجموعة التي قامت بالانفجارات، الذين هم في أغلبهم من أحياء قصديرية مهمشة وغير متعلمين، بأن ضباطا أمريكيين ومغاربة هناك؟ أم أن الأمر كان صدفة؟ ليس هناك جواب على وجه الدقة، لأن الذين قاموا بالأعمال الدموية في البيضاء ليلة الجمعة 16 ماي قتلوا جميعهم؛ إلا ثلاثة منهم يعرفون فقط أن المسؤول عن الخلية هو عبد الفتاح بوليقضان الذي قتل مع 10 آخرين. في وثيقة وزارة الدفاع الفرنسية حول أحداث 16 ماي، حمّل فؤاد عالي الهمّة، الوزير المنتدب في الداخلية سابقا، مسؤولية ما وقع للأحزاب السياسية التي وصفها بأنها ضعيفة، خاصة اليسارية منها، في مواجهة التيار الإسلامي، معترفا بأن الأحداث الإرهابية غيّرت من مواقف تلك الأحزاب نوعا ما اتجاه الإسلاميين، ودشنت بحسبه لمنعطف جديد. ووصفت الوثيقة أن المواقف المعبر عنها من قبل الهمة بعد الأحداث أنها تعتمد عناصر لا تختلف عن الخطاب الاستئصالي الجزائري من قبيل قوله: سننتقل للعمل بمنطق العين للعين.. إنهم يدفعوننا إلى العودة إلى العهد الأوفقيري، ليوضح أكثر قائلا: أي تصفية الإسلاميين بصمت وبمختلف الوسائل الممكنة، دون أن تقول الوثيقة أي الإسلاميين يقصد. وقال في نفس الوثيقة إن فاس أصبحت قندهار. أما المدغري فقد نقلت عنه الوثيقة بأن من قاموا بالتفجيرات الانتحارية ليسوا إلا أدوات.