ثمة رؤية ينبغي الاشتغال عليها بعد أن أعطت ثمارا جلية، وتقوم على أن يكون الجواب على المتهجمين على الإسلام في الغرب والعالم المسيحي منه على وجه التحديد، باعتماد منطقهم وقوانينهم ومنظومتهم القيمية، وفيها تنظير وممارسة ما يكفي من الأدلة ضدهم، فهناك الهولوكست وقضية معاداة السامية والنصوص المجرمة للاستهزاء بالمسيح، وقضايا الكرامة الشخصية، التي ترفع فيها دعاوى بالسب والقذف ويحصل الشخص المساء إليه على تعويضات بالمليارات وليس بالملايين، سواء من مؤسسات وشخصيات ومنابر إعلامية، بل يجب أن نحاكمهم بمنطقهم، ونلزمهم الحجة على أنفسهم من أنفسهم، وكما يقول المناطقة: وليس أقوى في الحجة من قلبها على صاحبها. فخطاب التكفير هو رد فعل سيكولوجي على حالة الهزيمة، التي نعيشها لمدة خمسين قرنا، والأفضل أن نبذل شيئا من الجهد الفكري، ومن شعاراتنا وخطابنا الجاهز ومفرداته المتخشبة، ونبحث في قوانينهم وفي ممارساتهم وتقاليدهم وسنجد الحجج، وليست الحجة الواحدة، لإدانتهم وفضحهم. عندما حصلت قضية الرسوم الدنماركية أعجبني لجوء المجتهدين الأذكياء إلى القانون الدنماركي المنظم لحرية التعبير، واستخرجوا منه نصوصا ما زلت أذكر أرقامها، وهي: المادة 142(أ) والمادة242(ج) من القانون الجنائي الدنماركي، والمادة 172 من قانون الإعلام، وهي نصوص تمنح الحق الجهة التي أسيء لها في رفع دعاوى ضد المتهجم عليها، والقاضي هنا لا يلتفت لقضية حرية التعبير، بل يفرض عقوبات وفيها الإكراه البدني والذعيرة المالية الموجعة ضد الجهة التي انتهكت حرمة الشخص، سواء كان شخصا معنويا أو ماديا أو رمزيا كنبي أو دين أو ثقافة. وبدلا من أن نستمر في هذه اللغة التي لا تزيدنا إلا رهقا، علينا أن نستثمر أعرافهم أيضا، فهم لا يسمحون بحديث عن الهولوكست أو معاداة السامية وانتهاك خصوصيات المسيح وكرامة الأشخاص، ويعطون سلطات واسعة المحاكم وهؤلاء المتضررين لطلب الإنصاف. والشق الثاني يرتبط بذاتنا نحن، فعوض أن نكثر من المظاهرات والصخب والتنديد أو السقوط في العنف وحرق مقرات السفارات وإرسال رسائل التهديد بالقتل لأشخاص أنتجوا أفلاما أو ألفوا كتبا تسبنا أو تسب ديننا، أولى لنا أن نسعى لترتيب بيتنا الداخلي، ونهتم بالأمور التي تعرف بديننا ونبينا. والحمد لله أن قضية الدنمارك مثلا أثمرت عددا من المواقع والفضائيات والبرامج والكتب التي تعرف بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته وإنسانيته، فلماذا لم نفعل هذا قبل رد الفعل؟ وبدلا من أن نكسر هذا الجدار الفولاذي الذي هو الهيمنة الإعلامية والسينمائية والمواقع الإلكترونية بالأموال، ونجد لأنفسنا موطئا تحت الشمس بالأموال الطائلة التي عند دول البترول، وبالإمكانات الهائلة لدى شبابنا ومهندسينا في الإعلاميات، وعوض أن نرتب أولوياتنا وجهدنا لكي نقدم صورة إيجابية وناجحة عن ديننا ونبينا وشريعتنا وتاريخنا وكل ما به ينافح عن ديننا ويسفه ما يقال ضدنا، تجدنا للأسف الشديد نفضل النوم، وأولويتنا في الإنفاق وبذل الجهد مرجوحة، ثم إذا ما أغاظنا من أغاظنا من عملاء الصهيونية أو المرتزقة لها والمجندين في صفوفها، تحركنا بقوة متهورة ومدمرة. وللإشارة فالمشروع الجاهز لدى الصهيونية اليوم هو إشعال الفتيل بين أمتين عظيمتين: المسيحية والأمة الإسلامية، أما النخبة اليهودية الصغيرة فهي تشتغل عبر نخبها وفق مخطط إستراتيجي لإشعال الفتنة بين المسيحيين، الذين هم اليوم في موقع سيادة على للعالم، وبين المسلمين، وهم مشروع واعد بالتقدم واستعادة الريادة الحضارية من جديد، وذلك لإشعال محرقة من لدن المفسدين في الأرض ويتفرجون عليها. لكننا بردود أفعال متخلفة وبجهل وبدائية منقطعة النظير وبغرائزية تشيع فيها حالة الغضب على حالة الفكر، نستجيب لهذا المخطط الصهيوني، ونشتغل بردود أفعال ونزيد من تشويه صورتنا لدى الأمة المسيحية، التي هي ضحية تغرير وتضليل واستضباع المشروع الصهيوني. لكننا بالعكس نمضي في سياستنا الرسمية التطبيع، ونتوهم منهم سلاما، وفي الوقت نفسه نثير معارك دونكشتونية على المستوى الإعلامي مع الأمة المسيحية، ونسقط في الفخاخ المنصوبة لنا بفعل معاركة إعلامية مفتعلة، وكلما همدت المعركة تم استفزازنا بفيلم وثائقي أو درامي أو مقال أو برسوم كاريكاتورية، وكأن هناك من يمد الطاقة لهذا الوقود حتى لا يخمد، ونحن - جماعة من المستجيبين المستغفلين - ضحية لهذا الكورال، الغنائي التعيس، ونحن فيه للأسف عازفون غير مبدعين.