كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية قبل أسابيع عن خطة إعلامية تم التوصل إليها بين الجبهة الشعبية وحركة فتح في قطاع غزة لمواجهة إعلام حركة حماس، حيث ستمول السلطة إذاعة صوت الشعب التابعة للجبهة الشعبية كي تغدو تابعة لمنظمة التحرير رسمياً، وتتمكن من الدفاع عن حركة فتح. نشير إلى هذا الخبر مجرد إشارةٍ للحديث عن مواقف اليسار الفلسطيني، أو ما تبقى منه ممثلاً في الجبهتين الشعبية والديمقراطية (الباقي في جيب السلطة منذ زمن، مع أنه لا يتبقى شيء في واقع الحال)، مواقفه من النزاع الدائر في الساحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، وبتعبير أدق بين قيادة السلطة وحماس في ظل صعوبة الحديث عن عنوان واحد لحركة فتح بعد تحولها إلى مؤسسة من مؤسسات السلطة. ليس من العسير القول إن مواقف الجبهتين كانت طوال الوقت منحازة على نحو شبه كامل إلى حركة فتح، وها هو الموقف يتجلى على نحو أكثر وضوحا في حوارات القاهرة، وحيث يصعب إيجاد أي فرق بينهما وبين حركة فتح، اللهم باستثناء مواقف هامشية لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة الحوار. نتذكر هنا أن الجبهتين كانتا ضد أوسلو، ولكنهما انخرطتا عملياً في مؤسساته، وعاد الأمين العام للجبهة (أبو علي مصطفى) إلى الداخل قبل أن يغتاله الإسرائيليون إثر مشاركة الجبهة في الفعاليات العسكرية أثناء انتفاضة الأقصى، فيما آثر نايف حواتمة البقاء في الخارج، وهي خطوة ذكية في واقع الحال، لأنها تركته يصول ويجول ويطلق التصريحات بلا كلل أو ملل، بينما لم يكن أحد ليضمن مصيره في الداخل، أقله من زاوية الحصول على بطاقات الـ +في.آي.بي؛ التي يحصل عليها قادة السلطة، وهي بطاقات يعرف الجميع ثمنها السياسي. اليوم، وفي حوارات القاهرة وسواها تقف الجبهتان في سياق واحد إلى جانب حركة فتح. وبينما يغرد أحد قادة الشعبية في دمشق (ماهر الطاهر) خارج السرب، يعمل قادتها في قطاع غزة مع حركة فتح في ظل غياب الأمين العام أحمد سعادات داخل السجن، وبعد تحول عبدالرحيم ملوح إلى موظف لدى السلطة، أو إلى ديكور سياسي يأخذه معه الرئيس في جولاته تأكيداً على الوحدة الوطنية، وبالطبع بعد أن خرج من السجن في واحدة من الحوافز التي قدمها الإسرائيليون للسلطة لكي تواصل التزامها ببنود خريطة الطريق. لا يعرف بالطبع كيف يكون الموقف على هذا النحو، وكيف يجيب قادة الجبهتين على سؤال المستقبل، مستقبل القضية في ظل واقع السلطة والعقيدة التي تعمل على أساسها أجهزتها الأمنية، وفي ظل الإصرار على ما يسميه قادة الجبهتين المفاوضات العبثية. لنفترض أن حماس أخطأت بمشاركتها في انتخابات أوسلو، وهي كذلك من وجهة نظرنا على الأقل، لكنهم ارتكبوا ذات الخطأ من قبل، والفارق أن حماس لم تنكس راية المقاومة، وهي نفذت عملية الوهم المتبدد بعد شهور من فوزها في الانتخابات، ثم ها هي تسمح للجبهتين بأجنحة عسكرية في قطاع غزة (دعك من قيمة مساهمتها في الواقع). عندما يعمل هؤلاء حثيثاً على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات، وفي ظل وضوح سافر في البرنامج السياسي للطرف الذي يتحالفون معه، ممثلاً في الإصرار على المفاوضات كما أشرنا من قبل (الطرف المذكور هو ذاته الذي سلّم الأمين العام للجبهة الشعبية للإسرائيليين، بينما تعمل حماس على تحريره، في حين يعتقد كثيرون أنه يتميز بمواقف مبدئية). وعندما يتواطؤون مع مطالبة فتح لحماس بالاعتراف بشروط الرباعية، عندما يفعلون كل ذلك، فهل يمكن تفسير ذلك بغير العداء الأيديولوجي إلى جانب المصالح الشخصية؟! يبقى القول إن حصة جميع قوى اليسار في الساحة الشعبية (بحسب القائمة النسبية) هي في حدود 7% (4 منها للشعبية)، حتى لو مثلت في الحوارات ثقلاً ما بانحيازها الكامل لفريق دون فريق، لكن النتيجة النهائية أننا إزاء قوىً يتبخر مددها الشعبي، وهي تقترب من النهاية أكثر فأكثر بسبب بؤس المواقف وتناقضها وضآلة الدور.