خاب أمل المئات من الأسر تقطن الفنادق التقليدية بمدينة مراكش، بعدما وصل إلى مسامعهم أن مشكلتهم لن تدرج ضمن جدول أعمال دورة أبريل للمجلس الجماعي، آخر دورة قبل انتهاء الولاية الحالية، وباتوا يفكرون في مصيرهم المحتوم، خاصة وأن العديد من سكان هذه الفنادق يعيشون وضعية مزرية لا تليق حتى بالحيوانات، وتتعرض جداراته يوما بعد يوم للانهيارات، مما يهدد حياة السكان. التجديد زارت فندق السرسار بساحة الاتطاكي (السرسار اسم لعديد من الفنادق بالمدينة) بعد توصلها بشكاية من الساكنة، وهو غير الفندق الذي يعرف عند الجميع (وضع الضمة على الفاء والدال)، بل هو فندق مع صفر نجمة أو تحت ذلك بكثير. وضع للاستغلال الانتخابي يبدو الداخل إلى هذا الفندق (وضع السكون على كل حروفه الأبجدية) في قلب المدينة العتيقة مثل الداخل إلى كهوف العهد الحجري، لا يستطيع المرء المرور بين دروبه إلا بجنب، لا ماء هنا في البيوت غير سقاية قديمة يتناوب عليها الجميع، وخيوط الكهرباء مقسمة على أكثر من بيت، كما ينعدم الواد الحار والمراحيض الخاصة. 40 أسرة عاصرت أربعة ملوك، تعيش هنا في وضعية مزرية قد تنطبق عليها الأغنية الشهيرة عايشين عيشة الذبانة في البطانة، كل الغرف التي تتراوح مساحتها ما بين المترين والعشرة أمتار مربع في أحسن الأحوال تبدو مثل سجن صغير تكومت فيه أسر من أربع إلى خمس أنفس، وفي بعض الأحيان إلى عشرة. الروائح الكريهة تزكم الأنوف، وسقوف الفندق تحولت إلى مزبلة حقيقية تجد فيها كل ما لا تشتهيه النفس، والمرحاض يتناوب عليه العشرات، والفضلات متروكة في كل جانب لأنه بكل بساطة لا يوجد ماء، والأطفال هنا يعيشون أزمة حقيقية في الشارع والمدرسة، لا يستطيعون اصطحاب أصدقائهم إلى غرفهم خوفا من الفضيحة، وبعضهم هجر المدرسة في سن مبكرة، يتساءلون كل صباح هل يعقل أن يكون هذا حالنا في مدينة سياحية ذاع صيتها بين الناس ووصل اسمها الآفاق؟ وهل يستمر حالنا خارج قطار التنمية البشرية ونحن على مشارف سور المدينة القديمة؛ على بعد أمتار قريبة من الرياضات الواسعة، أما الفتيات هنا فهن الأكثر تضررا من هذا الوضع المزري، فلا خصوصية لهن في ظل الاختلاط العجيب بين الجميع. كل تلك المعاناة لم تشفع للفندق عند المسؤولين في المجلس الجماعي الذين تداولوا أمرها في كثير من اجتماعاتهم وأحاديثهم الجانبية لكن دون جدوى. كم هي المرات، يقول مستشار جماعي فضل عدم ذكر اسمه، التي نادينا فيها بأعلى الأصوات لحل المشكل نهائيا، لكن حسابات أخرى لا نعرفها تجعل عجلة الإنقاذ تسير بطيئة وتتوقف في كثير من الأحيان، ولم يتلق السكان هنا إلا الوعود الكاذبة والكلمات الطنانة التي زادت مع اقتراب موعد الانتخابات الجماعية. مستقبل بلا أمل يقول الشاب عبد الكريم كل الأمراض موجودة في هذا المكان، بدء من أمراض العيون، والأنف والحنجرة، والرئة والمعدة و... إلى مرض روماتزم القلب، ويضيف الشاب نور الدين متهكما وجب على العلماء والأطباء الحضور إلى هنا لاكتشاف ميكروبات جديدة وفيروسات جديدة، ووجب أخذ عينة من دم هؤلاء الأطفال لاستخلاص لقاحات مضادة لبعض الأمراض المعدية الخطيرة، بفرط ما تعايش هؤلاء مع هذه الميكروبات.لا أحب فصل الشتاء ولا أحب سقوط المطر، هكذا يقول الطفل (س)، مضيفا إني أتفهم ما يفكر فيه وما يتمناه الفلاح الذي درسنا عنه في المدرسة، لكن زخات قليلة من ماء السماء، تحول عيشنا إلى ما يشبه القصف الجوي، لا أستطيع النوم، كلما جاء المطر جاء البرد، ولولا أني أتدفأ بأنفاس أمي وإخواني لفقدت حياتي. كل الساكنة هنا يعيشون وضعية مزرية، يقول خالد، اللي جابو النهار يديه الليل، لا أمل في المستقبل، ولم أسمع أن أحدا تخرج موظفا أو عاملا محترما من هذا الفندق، حديث يدمي القلب، يؤثثه مشهدان صغيران لعجوز تبيع السجائر بالتقسيط، وشاب ينام بين صناديق خشبية فوق سطح مدخل البناية. ما الحل؟ هكذا قال السكان وهكذا أعدنا السؤال، الجميع متفق أن الحالة مكرفصة، وهم يسمعون ببرامج القضاء على السكن العشوائي دون أن يلتفت إليهم أحد، حتى العروض التي وجهت قبل شركة العمران كانت غير منطقية ولم تر فيهم إلا زبناء جدد، إنهم شريحة خاصة معدومة جدا، ويجب أن يعامل معها كذلك.