هل من المعقول أن تصبح السينما ببلادنا عنوان التمرد والانفلات من القيم الوطنية والإسلامية المتعاهد عليها من طرف المجتمع المغربي على مدى قرون؟ هذا السؤال يطرحه العديد من الناس في المهرجانات و خارج المهرجانات ومن مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية. معبرين عن تذمرهم مما باتوا يشاهدونه على الشاشات الكبرى من تدني المستوى الفني للسينما المغربية في وقت تعيش فيه أوجها على المستوى التقني والإنتاجي. ومما باتوا يسمعونه من تصريحات مستفزة لبعض المخرجين والنقاد والفنانين. المواطن المغربي رغم التناقضات التي يعيشها فإنه يتوق إلى سينما يرى فيها نفسه اجتماعيا وفكريا وأخلاقيا. يحكي أحد المخرجين المغاربة أنه ذات يوم في قاعة سينمائية كان يشاهد شريطه ليلاحظ مدى تفاعل المشاهدين معه، و كان أمامه شاب و شابة في وضعية مخجلة، وحينما ظهرت لقطة جنسية في الفيلم، أمر الشاب صديقته بالانصراف لأن الفيلم يتضمن لقطات لااخلاقية، المخرج اعتبر هذا السلوك نفاقا لأنه لا ينسجم وما يشاهده في الواقع . السلوك الذي صدر من الشاب ومرافقته، مهما كانت ملابسات وضعيتهما غير السليمة، فإنه تعبير عن الفطرة لدى الشباب المغربي رغم انحرافه أحيانا. و من جهة أخرى يعبر عن الصراع الداخلي و التمزق الثقافي اللذان يعيشهما الشباب، بين ثقافة مستوردة بحكم القوة الحضارية و بين ثقافة إسلامية متجذرة فيه. و هذا التمزق الحضاري والثقافي هو الذي يحسه أيضا جل مثقفونا ونقادنا ومخرجونا(الذين درسوا السينما في الغرب).. إلا من كان على بينة إيديولوجية صريحة. و هنا أشير إلى أنه من غير المسؤولية التاريخية أن يلجأ بعض المخرجين(الايديولوجيين) الذين يؤطرون الشباب سينمائيا الدفع بهم إلى إنتاج أعمال تتهكم على القيم . صحيح أن لكل سينمائي أو ناقد أو كاتب إيديولوجيته و رؤيته للإبداع لكن ليس إلى حد التحريض على الاستفزاز الذي هو تعبير عن ضعف الشخصية. لأن الإبداع سمو و دقة و لو كان مؤطر بإيديولوجية ما. و في هذا السياق اعتبر شريط وشمة لحميد بناني الذي هو بالفعل وشمة في ذاكرة السينما المغربية نموذج رائع . ذلك أن مضمونه الفكري يعبر عن تمرد جيل على جيل آخر، و عن قطيعة مع ماض قهري. لكن بطريقة فنية حاذقة. على أن السبب الرئيس لما وصل إليه المشهد السينمائي اليوم هو أن السينما في المجتمعات العربية الإسلامية أريد لها منذ البداية أن تكون متمردة وصادمة و سليطة اللسان. إضافة إلى أن معظم السينمائيين العرب يحاولون إسقاط رؤية الغرب للفن و للدين على مجتمعاتهم التي تختلف اختلافا كليا عن المجتمعات الغربية التي لها مشاكل جمة مع الكنيسة.