كيف تقيم نمو الأوقاف في المغرب، وهل ما زال المغاربة في أيامنا يقومون بالتحبيس، أم أنكم تدبرون فقط الأوقاف التي تم تحبيسها منذ قرون؟ ربما يكون هناك انطباع عند عموم الناس مفاده أن المغاربة انقطعوا عن التحبيس وهذا غير صحيح، وهذا ما نلمسه يوميا من خلال عملي منذ عشرين سنة في مديرية الأوقاف. فالمغاربة جبلوا على العطاء والخير والتكافل والتضامن، ولا أتكلم هنا فقط عن ما يتعلق بالأوقاف المخصصة للمساجد، ولكن هناك أوقاف غيرها كثيرة نتوصل برسوم تحبيساتها من كل مناطق المغرب من أغنيائها وفقرائها، ويمكن أن أعطيكم أمثلة كثيرة، فهناك أوقاف للضعفاء وأوقاف توقف في سبيل الله دون تحديد، والتي يسميها العلماء بعموم الخيرات، أي أنها تصرف في كل ما هو خير. فالوقف لم ينقطع أبدا في المغرب، والذي نراه هو نتاج تراكم 14 أو 15 قرنا لم يأت بين عشية وضحاها، هذا ومايزال التراكم مستمرا، ودور وزارة الأوقاف هو المحافظة على هذه الأصول وتنميتها، أي أن هناك استثمارات جديدة في العقارات والأصول لتنميتها، ومن جهة ثانية تنمية المداخيل للصرف منها على الأوجه التي حبست من أجلها، وفي مقدمتها كما هو معروف خدمة مصالح الدين، والحمد لله نحن مقبلون منذ خطاب صاحب الجلالة أيده الله في الدارالبيضاء سنة ,2004 والتي قال فيها إنه ينبغي إعادة إحياء مؤسسة الأوقاف لتنهض بأدوارها التضامنية الشرعية التي كانت تلعبها، وقد وضعنا لهذا الغرض استراتيجية للنهوض بالأدوار الأخرى التنموية للوقف حتى لا نبقى منحصرين فقط في الدور الديني، فنحن نشتغل على تنمية الأدوار الاجتماعية والتعليمية والدينية، وهناك شواهد كثيرة على ذلك؛ لعل أشهرها عملية إفطار رمضان التي تسهم فيها الأوقاف، وهناك العديد من الخزانات التي تبنى حاليا أشهرها التي دشنها صاحب الجلالة في أبريل الماضي في مكناس، وهذا الأمر فيه إحياء لدور المكتبات الوقفية، ثم أنشأنا صندوقا لرعاية الصحة النفسية والعقلية، إضافة إلى برنامج محو الأمية في المساجد، والتعليم العتيق. كما أن هناك العديد من الملاجئ المخصصة لإيواء المنقطعين والعجزة، منها أحباس الضعفاء المعروفة في الرباط، ومأوى المنقطعين في تطوان الذي يتم تجديده حاليا حتى يلعب دوره المطلوب، كما أنه يعمل على إعطاء معونات عينية أو نقدية للعديد من العائلات بتوزيع الوجبات الغذائية والخبز، وذلك تنفيذا لشروط الوقف. فهذه كلها أعمال وقفية ترعاها وزارة الأوقاف، ولا زلنا نجتهد للتوسع، ونتمنى أن يكون إسهام المغاربة معنا في الأوجه الجديدة التي نريد إحياءها. أين وصل العمل في مدونة الأوقاف، وما هي الإضافات التي ستقدمها في هذا المجال؟ كما صرح السيد وزير الأوقاف في افتتاح أشغال منتدى قضايا الوقف المنعقد في الرباط، فمشروع المدونة في نهايته، إذ إن 95 في المائة منها أنجز، وهناك بعض التفاصيل التي يتم التدقيق فيها، ونتمنى أن يعلن عنها في الأيام المقبلة. أما الإضافات التي أتت بها هذه المدونة تتجلى في أنه لأول مرة تم تقنين أحكام الوقف الفقهية كلها في المغرب، لأنها كانت متروكة للاجتهادات المختلفة، واللجنة العلمية التي أشرفت على إنجاز المدونة عملت على أن يتم تقنين هذه الأحكام الفقهية والأخذ بالأحكام التي توافق الواقع والاجتهادات التي تناسب العصر وتطابق المذهب المالكي، وكذلك تم تقنين كل ما يتعلق بالوقف، فاحتفظنا ببعض ما كان جيدا في النصوص القديمة، وألغينا ما تجاوزته هذه القوانين وأصبح غير ذي مفعول، ثم هناك جانب ثالث وهو مهم، إذ تم وضع نظام محاسباتي للوقف ونظام مراقبة ستبين لعموم الناس مداخيل الوقف ومصاريفه، وإن شاء الله سننجز تقريرا سنويا يقدم جميع مداخيل الأوقاف ومصارفها، وهناك مجلس رقابة سيراقب تدبير الأوقاف وتسييرها. سؤال أخير يتعلق بتفويت الأوقاف أو ما سماه العلماء خلال منتدى الوقف بالمعاوضة أو الاستبدال، ما هي المعايير التي يتم العمل بها في المغرب والضوابط التي تحكم هذه المسألة؟ كل المعاوضات التي تتم، والتي تنظمها نصوص قانونية، وهي ظهير 1913 الذي ينظم هذا الباب، فهذه الأمور تحترم الضوابط الشرعية للمعاوضة، وهي أن يكون هناك مصلحة في استبدال الوقف بأن يكون قد قل ريعه، أو أصبح منعدم الريع، لأنه يتبادر إلى ذهن البعض أن الأموال التي يتم بها المعاوضة، يتم التصرف فيها وهذا غير صحيح، فهذه الأموال يحتفظ بها إلى أن يتم شراء عوض جديد، أكثر نفعا من الوقف الذي تم استبداله، ولذلك فالضوابط الشرعية والقوانين الموضوعة كلها محترمة في هذا المجال. مدير الأوقاف في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية