ثمة شعور بوجود مأزق في العلاقات المغربية- الجزائرية، تصاعدت معه التوترات بين البلدين، وبما يمكن القول معه إن علاقات المغرب والجزائر عادت إلى نقطة الصفر من جديد من دون أمل قريب في وجود نقطة ضوء لها، بحيث انحسرت خيارات البلدين معا في كيفية إيجاد مخرج مشرف. وبالعودة إلى محطات التوتر منذ حوالي أقل من سنة، نجدها تجاوزت الاقتصار على نزاع الصحراء لتتوسع نحو محاور أخرى تزيد من الأزمة الكامنة والقائمة استفحالا، حيث تمتد محاور التوتر من الصراع حول مسار التعاطي الأممي لقضية الصحراء واختصاصات المبعوث الأممي الجديد كريستوفر روس ومدى إلزامية تقيده بما انتهى إليه المبعوث الأممي السابق فالسوم، وموقع المبادرة المغربية الخاصة بالحكم الذاتي في مفاوضات الجولة الخامسة من المفاوضات، لتشمل ملفات أخرى. فمن ناحية أولى، هناك قضية الموقف من الانقلاب الموريتاني وارتباطه بسياسات هذا البلد أو ذاك لسحب البساط من تحت الآخر، خاصة بعد الاتهام الجزائري غير المباشر للمغرب بتدبير الانقلاب. ومن ناحية ثانية، برزت هذا العام مشكلة التموقع في حركية العلاقات الإفريقية مع أميركا الجنوبية بعد عقد الدورة الأولى في نيجيريا في نوفمبر 2006، وتمكن المغرب من الحضور رغم عدم عضويته في الاتحاد الإفريقي، وفي الوقت نفسه عدم مشاركة جبهة البوليساريو رغم اعتراف نيجيريا بها. لكن في نوفمبر من العام الماضي أقدمت فنزويلا، راعية الدورة الثانية، على عدم دعوة المغرب مع حضور جبهة البوليساريو. ومن ناحية ثالثة، تصاعد التنافس الصامت على المواقع في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، لاسيَّما بعد منح المغرب وضعا متقدما في علاقته بالاتحاد في المقابل استمرار حالة التشويش على علاقته بإثارة ملف أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء بعد تقرير سلبي أعلن الأسبوع الماضي لبعثة من البرلمان الأوروبي حول الموضوع، فضلا عن تحريك البعض لملف الأوقاف المغربية الموجودة في القدس وادعاء نسبة جزء منها للجزائر، بحسب الملف الذي نُشر في إحدى الصحف الجزائرية. وهي كلها ملفات يزيد من حدتها ما يُثار حول سياسات التسلح في المنطقة المغاربية، وتجعل علاقات المغرب والجزائر مرشحة لـ «حرب باردة» قادمة. فماذا كان يجري على الأرض لتجاوز ذلك؟ الواقع أن المأزق الأكبر يتجلى في هذا المستوى. فعلى الصعيد المغربي، وقبل حوالي عشرة أشهر، وتحديدا بعد قرار مجلس الأمن في مايو 2008، والذي ذهب نحو دعم المبعوث الأممي السابق فالسوم رغم انتقادات البوليساريو والجزائر لحديثه عن الحل الواقعي، مما اعتبر انتصارا مغربيا انتقل معه الضغط إلى جبهة البوليساريو والجزائر، آنذاك ركز الخطاب المغربي على السعي إلى إيجاد مخرج يحفظ ماء وجه الجزائر وعدم تشديد الضغط عليها وإحراجها، لكن بعد حوالي ستة أشهر، وتحديدا في نوفمبر الماضي تحول الخطاب المغربي نحو التصعيد وتوجيه التهمة إلى الجزائر بتوظيف قدراتها لتكرس وضع البلقنة في المنطقة المغاربية والساحلية، فضلا عن عرقلتها للحركية الإيجابية الداعمة للمبادرة المغربية الخاصة بالحكم الذاتي للصحراء، وربط ذلك بالرفض المنهجي للجزائر لفتح الحدود مع المغرب رغم المطالب المتكررة بذلك. وحالة الانتقال هذه من منطق حفظ ماء الوجه إلى منطق تحميل المسؤولية في أقل من سنة، ثم العودة اليوم إلى منزلة بين المنزلتين، تقابلها حالة شبيهة على الصعيد الجزائري، فقبل حوالي ستة أشهر كان الخطاب الجزائري يركِّز على قضية العلاقة بين إغلاق الحدود وبين وجود مخرج لقضية الصحراء المغربية، وإعمال الشرعية الدولية في تدبيرها، ثم عاد بعد ذلك للتركيز على المعطى الأمني وما يرتبط به من قضايا التهريب ومراقبة الحدود وضرورة بحث هذه القضايا وبناء تصور متكامل حولها قبل فتح الحدود. فما دلالة ذلك؟ إن التأمل في المفارقة بين تنامي أزمة العلاقة بين البلدين من جهة، في مقابل انحسار خيارات التجاوز من جهة أخرى، يفرض الاعتراف بوجود أزمة ثقة حادة بين قيادتي البلدين، يعمقها التناقض بين الخطابات الإيجابية والممارسات المضادة. كما ينبغي الاعتراف بأن أزمة التطور الديمقراطي، خاصة في الجزائر، حالت دون تجديد فعلي على مستوى النخبة يوازي ما حدث في الحالة المغربية، ويتيح بناء علاقات جديدة تفك الارتهان لأخطاء الماضي. وفي المقابل تقلَّصت فرص الالتقاء العلني لتصبح مرتبطة بمبادرات غربية وأميركية كما حدث مؤخرا على هامش لقاء شرم الشيخ، بحيث نجد أن المنابر الإعلامية هي مجال الرد وللتعبير عن المواقف إزاء ما يطرحه كل طرف، وهو ما يعني سنوات أخرى من التوتر.