يكاد يكون هناك إجماع داخل الحركة الإسلامية المشاركة على أن هناك ثلاثة مداخل للتعامل مع هذه الاتفاقيات، ومواجهة الضغوط الغربية بصددها: -المدخل التقليدي: تفعيل مبدأ التحفظ: وتحاول الحركة الإسلامية التأسيس لهذا المدخل من ثلاث منطلقات: *أ منطلق أولوية المرجعية الإسلامية على ما عداها من المرجعيات، وهو ما سطره بوضوح بيان حركة التوحيد والإصلاح الذي أتى على خلفية تعالي تفسيرات تؤول رفع الخطاب الملكي للتحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز كما لو كان تعطيلا لبعض مقتضيات المرجعية الإسلامية، وهو البيان الذي تفاعل معه المجلس العلمي الأعلى وأصدر بلاغا في الموضوع يرفع الالتباس ويعيد الأمر إلى نصابه، ويبين أن رفع التحفظات لا يمكن أن يفهم منه بوجه من الوجوه المس بأحكام الشريعة. *ب مدخل الحق في التحفظ: بحيث تستند الحركة الإسلامية في هذا الصدد على تاريخية هذه المواثيق التي تم إقرارها من غير مشاركة لمعظم الدول العربية والإسلامية، وعلى اتفاقية فيينا التي تعطي للدول حق التحفظ فيما تراه معارضا لمرجعيتها أو خصوصيتها الثقافية. * ج منطلق عمل الدول بمبدأ التحفظ: وتستند الحركة الإسلامية في ذلك بتحفظات العديد من الدول بما يف ذلك الدول الأوربية، والتي تعطل الأثر القانوني لكثير من المقتضيات بحجة معارضتها لخصوصية البلد، أو لأن تشريعات هذا البلد يضمن الحق للمرأة أكثر مما تضمنه هذه المواثيق. - مدخل الاجتهاد والمواءمة: وهو الدعوة إلى إعادة قراءة مقتضيات هذه الاتفاقية، وعرضها على الاجتهاد المقاصدي للنظر في إمكان الملاءمة بينها وبين مقتضيات المرجعية الإسلامية، وهو الأمر الذي ألمح إليه محمد الحمداوي حين اعتبر أن من آليات التدافع في هذا الصدد مراجعة الخطاب وتأهيل الأفراد معرفيا وتواصليا لامتلاك ناصية خطاب العالمين بمفاهيمهم ولغاتهم وأدبياتهم والاجتهاد في التأويل المقنع لمفردات وثائقهم لمنع تعارضها مع الثوابت، وهو الأمر الذي حصل على مستوى مدونة الأسرة، وتفاعلت معه الحركة الإسلامية إيجابيا؛ على اعتبار أنه انطلق من المرجعية الإسلامية بتفعيل آلية الاجتهاد المقاصدي. - مدخل تطوير آليات التدافع: وهو الذي تقصد به الحركة الإسلامية الانتقال من مرحلة ردود الأفعال ومنطق الاحتجاج والمعارضة، إلى مرحلة الفعل والمبادرة، واقتحام هذا الميدان الجديد، والانفتاح على الفضاءات التي انتقل إليها مجال التدافع، وتهيئ الأطر والكفاءات القادرة والكفيلة بحمل هذا التحدي إلى مداه. فحسب الأستاذ محمد الحمداوي، فالتدافع سيبقى مفتوحا بين جماهير الأمة المعتزة بثوابتها الحضارية والثقافية والدينية والمتشبثة بحاكمية المرجعية الإسلامية على ما سواها من المرجعيات ، وبين أقلية مسنودة من الخارج ومستقوية ببعض مراكز النفوذ تمارس ضغوطها لفرض حاكمية مرجعية المواثيق الدولية خاصة وأن هذه الأقليات حسب رئيس حركة التوحيد والإصلاح انتقلت إلى ساحات أخرى أكثر تأثيرا وأمضى سلاحا وهي ساحات المنظمات الدولية وأروقة برلمانات القوى العظمى ودهاليز مراكز البحث ومجموعات التفكير لتدبيج تقارير تبتز الدول وترهب قوى المجتمع، عبر تعبئة بعض وسائل الإعلام، وإعداد الملفات، وصياغة المذكرات، وذلك باستغلال بعض القضايا المجتمعية، كمدخل لتلك المعارك، مثل قضية المرأة، وقضية الحريات الفردية، والأمازيغية، وغيرها من القضايا الحساسة. الحركة الإسلامية والنضال على المستوى الأممي لا يبدو للراصد من خلال تتبع مجالات اشتغال الحركة الإسلامية أن النضال على الواجهة الأممية يدخل ضمن رهاناتها الآنية، ولا يبدو من خلال تتبع اختياراتها أن الأمر يتعلق بموقف مبدئي رافض، بل على العكس من ذلك، يبدو من خلال إشارة رئيس حركة التوحيد والإصلاح إلى قضية تطوير آليات التدافع، ومن خلال الحديث عن الساحات الأكثر تأثيرا في صناعة السياسات ذات العلاقة بالقضايا الحساسة مثل قضية المرأة، أن الحركة قد نضج عندها الموقف لتفعيل هذه الجبهة في عملية التدافع، وهي الجبهة التي تتطلب حسب محمد الحمداوي توفير مجموعة من الشروط ليس أقلها توفير الكفاءات العلمية والتواصلية الممتلكة لخطاب العالمين المؤهلة ولا قادرة على خوض معركة التدافع في هذه الساحة.