تخالف الفلسفة الاقتصادية الإسلامية المرجعيات النظرية الفلسفية التي تؤسس للنظم والنماذج الاقتصادية الأخرى، إذ إن الإسلام في مبادئه التأسيسية للعلاقة المجتمعية الاقتصادية يجمع بين الثبات والتطور، حيث لديه - يقول د.الفنجري في كتابه مفهوم ومنهج الاقتصاد الإسلامي - سياسة ثابتة خالدة من حيث أصولها العامة وضمانها منذ البداية الحاجات الأساسية للفرد والمجتمع بغض النظر عن درجة تطوره وأشكال الإنتاج السائدة فيه. وهي سياسة متغيرة متطورة من حيث تطبيقاتها العديدة لهذه الأصول بحسب ظروف الزمان والمكان، وبين المصلحة الخاصة والعامة إذ إن كليهما أصل، حيث لا يهدر المصلحة العامة شأن النظم الفردية، ولا يهدر المصلحة الخاصة شأن النظم الجماعية، والمصالح المادية والحاجات الروحية، حيث تعتبر الفرد في مباشرته نشاطه الاقتصادي البحت، متعبدا طالما كان هذا النشاط مشروعا ومستهدفا به وجه الله. لكن للتوكيد على فعالية النظرية الاقتصادية الإسلامية، لا يسهب المنظر المسلم في بيان نجاعتها الإجرائية في تنمية الموارد المادية، إنما يسهب في بيان برهان نفسي. ففي صلب الكتاب كما في خاتمته يحرص د.الفنجري على الإشارة إلى أن الإسلام هو القادر على تحريك العالم الإسلامي، لأن طاقته البشرية مرتبطة بتعاليم الإسلام عقديا ونفسيا، وبما أنها كذلك وجب أيضا ربطها بالإسلام سياسيا واقتصاديا، حتى تتحقق وحدة هذا العالم وتجانسه الروحي والعملي. فخير سبيل لتحريك هذا الكم الديموغرافي الهائل، وأفضل وسيلة لتحقيق استجابته إلى الحركة هو أن يخاطب باسم الإسلام. بمعنى أن التغيير المنشود في واقع الأمة يجب أن يضع في الاعتبار الشرط الثقافي لتكوين هذه الأمة وتركيبها النفسي والتاريخي. فلا يمكن أن يتجذر شيء في واقعها، ويثبت ويتفاعل إلا إذا أثبتنا أن الإسلام يؤيده أو على الأقل لا يعارضه. لذا من هذا الشرط النفسي والموضوعي تبرز أهمية الاقتصاد الإسلامي ودوره للعالم الإسلامي بوصفه المنهج الاقتصادي الذي يرتبط به عقائديا وحضاريا سكان هذا العالم، ويتوافر له التجاوب والاطمئنان النفسي. ومن بين أهم عوائق النهوض الاقتصادي هو هذا التعارض الموجود بين النظم والقوانين وبين الشرع الإسلامي . لذا يدعو الفنجري قادة العالم الإسلامي إلى تطبيق الاقتصاد الإسلامي حتى يتحقق القضاء على هذا التمزق الذي يعاني منه أفراد الأمة الإسلامية موزعين بين ضميرهم الديني وقوانينهم الوضعية. هذا المطلب النظري القائم على وجوب انسجام القواعد والنظم مع المرجعية العقدية، هو ما نجده أيضا حاضرا في تحليل مالك بن نبي لعلاقة المسلم بعالم الاقتصاد. حيث يحرص على أن يستثمر بذكاء واقعة الاقتصادي الألماني شاخت. الذي استطاع النهوض بألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية من واقع متأزم جدا، ولكنه فشل فشلا ذريعا في إندونيسيا رغم أن الواقع الإندونيسي كان أفضل بكثير من حيث الظروف والإمكانات من الواقع الألماني. ويتوقف مالك بن نبي لتأمل الحادثة، فيذكر بأن الدكتور شاخت كان بلا جدال، أجدر من يضع مخططا اقتصاديا مثل الذي وضعه لبلاده قبيل الحرب. ثم يتساءل: ما سبب فشله في إندونيسيا ونجاحه في ألمانيا؟ ويجيب: لأنه خطط لإندونيسيا فوضع ضمنا خطته على قاعدة معادلة اجتماعية خاصة بالشعب الألماني، وأجنبية عن الشعب الإندونيسي. إن بيان المعادلة الاجتماعية يحتاج إلى إدراكات ثقافية ليست من اختصاص رجل الاقتصاد. ومشكلة الاقتصاديين في العالم العربي أنهم اختاروا بين نموذجين اثنين فقط هما آدم سميث وماركس، دون العمل على تأسيس طريق ثالث، ينسجم مع الخصوصية الثقافية والتاريخية للمنطقة.