سجلت مصالح الأمن في اليومين الأخيرين ثلاث عمليات انتحار بمناطق مختلفة من المغرب، فقد أقدم شاب بدوار بولغرايب بمراكش ظهر يوم الثلاثاء 17 فبراير 2009 على طعن والده طعنات متكررة في البطن ليرديه قتيلا، قبل أن ينتحر رميا من سطح منزله. وحسب شهود من الجيران، فإن خلافات حادة نشبت بين الابن (23 سنة) والأب (47 سنة) حول المال، حيث كان الأول يطالب أباه بسداد ديون أمه التي تراكمت، لكن هذا الأخير كان يرفض ذلك بحجة أنها هي من استفادت من القروض ويجب أن تؤدي ما عليها، وأضاف المصدر أن بوادر الخصام العنيف بدأ منذ الأربعاء الماضي، حيث عمدت الأم إلى الخروج من بيت الزوجية والهروب إلى وجهة مجهولة بعد احتدام الخلاف بين الابن والأب. وبالحسيمة، أقدم رب أسرة في الخمسين من عمره يوم الثلاثاء 17 فبراير 2009 ـ على قتل طفله (7 سنوات) وطفلته (12 سنة) شنقا، قبل أن يضع حدا لحياته بنفس الطريقة في أحد أحياء المدينة. وذكرت مصادر أمنية أن الجريمة وقعت في غياب الأم، التي أبلغت عن وقوعها عند عودتها من العمل والتي أصيبت جراءها بحالة هستيرية نقلت على إثرها إلى المستشفى الإقليمي محمد الخامس بالمدينة. كما أقدم الملياردير ميلودي كرام (55 سنة)، رئيس جماعة الشعراء، وعضو بغرفة الصناعة والتجارة والخدمات، وتاجر في الزيتون وكراء الرحبات والأسواق الأسبوعية والمضاربة في العقارعلى الانتحار يوم الإثنين 16 فبراير الجاري، بعدما أصيب بخلل عقلي منذ 6 أشهر تقريبا. هذا وما يزال الشارع المغربي يتذكر حادث الانتحار الجماعي تحت عجلات القطار الذي قادته سيدة حامل، وكان ضحيته إضافة إلى الأم ثلاث بنات وجنين، ناهيك عن حوادث انتحار أخرى تسجل هنا وهناك. وحسب دراسة أنجزتها وزارة الصحة سنة 2007 حول الأمراض النفسية في المجتمع المغربي، فإن 16 في المائة من الشريحة التي شملها البحث والمحددة في 15 سنة وأكثر تفكر في الموت والخلاص من الحياة، سواء بالانتحار أو بالموت العادي، وبهذا الصدد، قال الدكتور عبد المجيد كمي هناك ما بين 1 و2 في المائة ينتحرون سنويا في المغرب حسب بعض التقديرات، مضيفا في تصريح لـالتجديد إنه ليس هناك إحصائيات دقيقة تتعلق بعدد المنتحرين في المغرب، بسبب وجود عائلات كثيرة تتستر على حالات الانتحار، لأسباب اجتماعية ودينية سيما في القرى، مشيرا إلى أن الأرقام التي تسجل هي لحالات تصل إلى المستشفيات، أو تنشر عبر وسائل الإعلام سيما المحلية منها. ومن جهة أخرى، اعتبر الدكتور كمي طبيب نفسي، أن العامل النفسي يتحكم أكثر في إقدام أشخاص على الإنتحار، وبالمقابل، أشار كمي إلى أن الوازع الديني يشكل رادعا أساسيا للإقدام على الانتحار، وهي حقيقة ثابتة في كثير من البحوث التي أنجزت حول هذه الظاهرة. هذا، وأكد كمي أن المرض النفسي الذي يشكل الدافع الأول للانتحار هو الانفصام. مضيفا أن تعاطي الكثيرين للمخدرات زاد من حجم الظاهرة، باعتبار أن المخدرات تجعل المتعاطي لا يقدر حجم الأخطار التي يقدم عليها. داعيا إلى دقناقوس الخطر. وأشار من جهة أخرى، أن الإقدام على الانتحار زاد في السنوت الأخيرة. مضيفا أن الشنق يأتي في مقدمة الوسائل التي يعتمدها الأشخاص المنتحرون. ومن جهته، أوضح الدكتور مولاي عمر بنحماد، أن الانتحار هو من نتائج العولمة، مضيفا في تصريح لـالتجديد أن الإنسان في العالم الإسلامي، كان يتعايش مع المشاكل التي يعانيها، وكان لا يمكن أن يفكر في وضع حد لحياته مهما كان حجم المشكل الذي يواجهه، ودعا بنحماد إلى وضع اليد على الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى الانتحار لأن التبريرات الجاهزة لا تكفي، موضحا أن دور العلماء مطلوب، لكن ينبغي توفير الإمكانات اللازمة لهم ولرجال التربية بالدور المنوط بهم في محاربة مثل هاته الظاهرة، سيما في ظل انتشار الفضائيات ووسائل الاتصال التي تبث السموم في عقول الشباب. واقترح بنحماد رصد مثل هذه الظواهر والإعلان عن يوم وطني لمحاربتها مثل الخمر والمخدرات، ودعا كل فئات المجتمع إلى بذل جهد حقيقي لاستدراك الأمر قبل فوات الأوان وطرد اليأس وبعث الأمل في نفوس الشباب، مؤكدا على أهمية تكامل الأدوار بين كل الفاعلين، وأن توافق الأقوال الأفعال، بخلق مبادرات حقيقية وجادة لأن العلماء أقصى ما يمكن أن يقوموا به هو التذكير.