لاشك أن قسم التنفيدات القضائية للمحاكم مليئة بأرشيفات عدد من الملفات التنفيذية المحكومة في مواجهة شركات التأمين الموجودة في وضعية التسوية الإدارية، والمحالة عليه بموجب مساطر إنابة قضائية في قضايا حوادث السير المحكومة نهائيا بمقتضى أحكام تكتسي قوة الشيء المقضي به، وكثير من الأسر تضيع حقوقها بجهلها للقانون المتعلق بحوادث السير، وعدد كبير من المواطنين لا يجهلون أن من حقهم في حالة وفاة الوالد أو الزوج بسبب حادثة سير أثناء تأدية مهامه كموظف الجمع بين التعويض العادي والمعاش. في قضية اليوم سنتطرق إلى قضية من القضايا الكثيرة التي تتعلق بحوادث السير بالنسبة للموظفين، فما هي مسؤولية الدولة تجاه موظفيها وأعوانها في حال تعرض أحدهم لحادثة سير؟ وماهي الفصول القانونية التي تحمي حقوق هؤلاء؟ لقي محمد حتفه بتاريخ 11 فبراير 1960 في حادثة سير بينما كان يؤدي أعمالا تهم وظيفته راكبا على متن سيارة للدولة كان يقودها موظف آخر في نطاق قيامه أيضا بمهام وظيفته، وقد خلف الهالك أرملة وستة يتامى صغارا قررت الإدارة منحهم بأجمعهم معاشا قدره 300 درهم كل ثلاثة أشهر؛ على أساس ظهير 12 ماي ,1950 فتقدم هؤلاء بدعوى قضائية ضد الدولة على أساس الفصل 79 من ظهير العقود والالتزامات؛ طالبين الحكم عليها بأدائها لهم تعويضا عن الضرر اللاحق بهم مباشرة، فحكمت المحكمة الابتدائية بالبيضاء في 16 يوليوز ,1964 لأرملة الفقيد بتعويض قدره 000,20 درهم، ولليتامى ما يعادل 000,90 درهم، وبعد الاستئناف من قبل المحكوم عليها قضت محكمة الاستئناف بالرباط في 15 أكتوبر 1965 بإلغاء الحكم المستأنف، وبرفض الطلب لعلة أنه بمقتضى نظام الموظفين الذي ينتمي إليه الهالك لا يمكن لورثته أن تكون لهم حقوق إلا الحقوق الناتجة لهم عن ظهير فاتح مارس 1930 المغير بظهير 12 ماي 1950 المتضمن لنظام المعاشات. الجمع بين المعاش والتعويض لا يمنع الظهيران المشار إليهما في الحكم المطعون فيه في أي فصل من فصولها من يعنيهم الأمر من تقديم طلب التعويض بناء على الحق العادي المنصوص عليه في الفصل 79 من ظهير الالتزامات والعقود الذي ينص على المسؤولية المباشرة للدولة من أجل الأضرار الناشئة عن الخطأ المصلحي المرتكب من قبل أعوانها. بالإضافة إلى ذلك أن الباب السادس من ظهير 12 ماي 1950 المتعلق بمعاش الأرملة واليتامى عندما بين بدون أن يتعرض لظروف وفاة الموظف -أن هذا المعاش لا يعتبر في تقديره إلا معاش الأقدمية، أو المعاش النسبي، وإن اقتضى الحال معاش العجز الذي حصل عليه الموظف أو كان من حقه أن يحصل عليه، فقد أزال عن معاش الأرملة واليتامى صبغة التعويض كيفما كان نوعه، وبالأخص التعويض المبني على شبه الجريمة المنصوص عليه في الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، وذلك لأن حق الأرملة واليتامى ناشئ عن انخراط الموظف بصفة إجبارية في نظام المعاشات الذي يقوم على إعانات الدولة، وعلى ما يقتطع للموظف من أجرته؛ فصار المعاش بذلك مقابلا للمبالغ المجموعة من مساعدة الدولة ومما يقتطع من الأجرة. يترتب على ما ذكر أن محكمة الاستئناف خرقت مقتضيات الظهير الصادر في فاتح مارس 1930 -حسب القرار- والظهير الصادر في 12 ماي ,1950 وذلك بسوء تطبيقهما كما خرقت الفصل 79 من ظهير الالتزامات والعقود بامتناعها عن تطبيقه، فعرضت بذلك حكمها للنقض. فالفصل 79 من ظهير الالتزامات والعقود الذي يفرض مسؤولية الدولة عن الأضرار الناشئة مباشرة من سير مرافقها، ومن الأخطاء المصلحية المرتكبة من قبل أعوانها وضع مبدأ هذه المسؤولية بالنسبة لجميع المتضررين بدون تمييز وغيرهم نظرا لعموم لفظه، ولا يوجد لهذا المبدأ استثناء قانوني يؤخذ منه أن الموظفين أو من يقوم مقامهم بعد وفاتهم لا حق لهم في التمتع بالتعويض المنصوص عليه في الفصل 79 المشار إليه. والظهيران الصادران الأول في فاتح مارس 1930 والثاني في 12 ماي 1950 المؤسسين لمعاش العجز لفائدة الموظف المصاب أثناء قيامه بمهام وظيفته بعطب أو مرض يمنعه من متابعة القيام بوظيفته لا ينصان صراحة على أنه ليس للموظف المصاب أن يطالب بتعويض الضرر الحاصل له على أساس الفصل 79 المذكور إن اختار ذلك، وفي إطار الفصل ذاته يحق للأرملة وأطفال الموظف الهالك من جراء سير مرافق الدولة أو الأخطاء المصلحية المرتكبة من قبل أعوانها لهم الحق في طلب تعويض الضرر في إطار الفصل 79 المشار إليه، ولا مانع من الجمع بينهما.فقضى المجلس الأعلى في الحكم المطعون فيه وبعد التصدي للقضية قصد الحكم فيها نهائيا بتأييد الحكم الابتدائي الصادر في 16 يوليوز 1964 عن المحكمة الابتدائية بالبيضاء. *** ذ.ادريس بلمحجوب المجلس الأعلى أجاب ضمنيا حول الطبيعة القانونية للمعاش قبل التعليق على هذا القرار أود أن أبدي الملاحظات التالية: الملاحظة الأولى: أن الرئيس الأول للمجلس الأعلى (أحمد ابا حنيني) ألقى خطابا بجلسة 7 أكتوبر 1968 بمناسبة حفلة افتتاح السنة القضائية 19691968 تحت رئاسة صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، حلل فيه مضامين القرار. الملاحظة الثانية: حسب علمي كان هذا أول قرار صدر بهيئة مشكلة من غرفتين بعد صدور توحيد المحاكم ومغربتها وتعريبها في 1966/1/.26 الملاحظة الثالثة : أن المجلس الأعلى كانت له الصلاحية للتصدي والبت فورا في موضوع النزاع، إذا إنه يتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة الموضوع بحكم سلطتهم طبقا للفصل 23 من ظهير 27 شتنبر 197 الذي وقع نسخه بمقتضى الفصل 368 من قانون المسطرة المدنية الذي وقع نسخه أيضا. من خلال الظهيرين المؤرخين في فاتح مارس 1930 و12 ماي 1950 المؤسسين لمعاش العجز لفائدة الموظف المصاب أثناء قيامه بمهام وظيفته بعطب أو مرض يمنعه من متابعة القيام بوظيفته، يتضح أن المجلس الأعلى قد أجاب ضمنيا حول الطبيعة القانونية للمعاش، هل هو حق للموظف باعتباره أجرا يقتطع له كأقساط من مرتبه الشهري ومن إعانات الدولة، أم يشكل تعويضا عن الضرر المبني على شبه الجريمة المنصوص عليه في الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود. ومن خلال التمعن جيدا في الحيثيات التي تضمنها القرار نلاحظ أنها تستند في أساسها إلى جملة من المبادئ القانونية التي يستأنس بها القضاء في أحكامه عند التفسير السليم أو التأويل لثغرة قانونية غير واضحة المعالم، كمبدأ إعمال الكلام خير من إهماله، ومبدأ ما لا يدرك كله لا يترك كله، ومبدأ الضرر يزال، إلى غير ذلك من المبادئ التي يهتدي بها القاضي لتفسير النص القانوني صحيحا إذا كانت عبارته وجيزة ومركزة أو صيغته غير جلية المعنى أو يكون في دلالته ما يتعارض ظاهريا مع دلالة نص آخر.وفي هذا الصدد يتضح من ظهير 12 ماي 1950 المتعلق بمعاش الأرملة والقاصرين أنه لم يتعرض لظروف وفاة الموظف في حادثة سير بينما كان بمناسبة تأدية أعمال وظيفته راكبا على متن سيارة للدولة كان يسوقها موظف آخر. فأكد المجلس الأعلى أن الحق في التعويض عن الضرر الحاصل للأرملة والقاصرين على أساس الفصل 79 مستقل عن حق أخذ المعاش الواجب لهم.ولقد أتيحت مؤخرا للمجلس الأعلى أن ناقش الأساس القانوني لتحديد التعويض عن العجز الدائم الذي لحق الموظف المحال على المعاش بسبب حادثة سير، وأجاب عن تساؤل هل يحسب التعويض على أساس الحد الأدنى للأجر أم على أساس منحة المعاش باعتبارها تشكل أجرا.وبعد إحالة القضية على هيئة مشكلة من غرفتين استقر الرأي على أن المعاش يشكل أجرا. عن قرارات المجلس الآعلى كتاب/بغرفتين أو بجميع الغرف.