ما هو تقييمكم لمسار العلاقة بين الدولة والحركات الإسلامية بالمغرب خلال سنة 2008؟ تعتمد الدولة أسلوبين مختلفين، أسلوب يتمثل في نوع من الاحتواء لبعض التنظيمات الإسلامية، من خلال إيجاد نقاط مشتركة، من أجل العمل من خلال توافقات واضحة المعالم تنسجم وتصور الدولة لاستراتيجياتها الدينية. وهناك أسلوب التضييق، ومحاولة دفع بعض التنظيمات الأخرى إلى تقديم مزيد من التنازلات حتى يتلاءم خطابها إلى حد ما مع الخطاب الديني الرسمي. طبعا هذان الأسلوبان تم اعتمادهما منذ سنوات، وأعتقد أن سنة 2008 لم يتغير الشيء الكثير، لأن الدولة حاولت من جهة أن تفتح هامشا من الحرية لعمل بعض التنظيمات الإسلامية، ولكن في الوقت نفسه استمرت في نهج الأسلوب الذي يضيق على الكثير من التعبيرات بالمغرب ولو بأشكال مختلفة. عرفت سنة 2008 اعتقال أحد رموز الحركة الإسلامية المغربية وهو المرواني، ما دلالة هذا الحدث؟ هذا الملف معقد، وهو معروض على القضاء، وبكل تأكيد فإن خلفيات سياسية تحكمه، ومن خلال تحليل بعض المعطيات، نجد في العمق كأن اعتقال المرواني والسريتي والركالة والعبادلة تصفية حساب مع تنظيم إسلامي لم يعد قائما وهو تنظيم الاختيار الإسلامي. وهذا الاعتقال يطرح أكثر من تساؤل لأنه من جهة تحاول الدولة أن تقدم الملف على أساس أنه يتعلق بتورط مجموعة من الأشخاص في تنظيم إرهابي يستهدف استقرار المغرب، وتنظيم قائم على توزيع الأدوار بين جناح مسلح وجناح سياسي كان يسعى إلى اختراق المجتمع المدني، في حين أن القراءة الأخرى تجعلنا أمام ملف تبعث من خلالها الدولة أكثر من رسالة إلى أكثر من طرف، وأن اعتقال المرواني والمعتصم وما يرمزان إليه من كونهما انخرطا في مشروع إسلامي كان من خلاله يسعيان إلى الاقتراب إلى حد كبير في ما سمي بالمغرب بالقطب الديموقراطي الذي يضم يساريين سواء متحزبين أو مستقلين، هذا يفهم منه أن الدولة تريد أن تقول لا توجد تمايزات بين الإسلاميين، ولكن هناك فقط توزيع للأدوار، وأكيد أن هذه الرسالة لو تأكدت ستلتقي منطقيا مع التيار الاستئصالي الذي كان دائما يستعدي الدولة على الإسلاميين ولا يميز بين خطاباتها وبين مكوناتها. وهناك من يقول أن اعتقال المرواني والمعتصم له ارتباط بأجندة خارجية وتتعلق في العمق بمحاولة الاحتواء وتحجيم ظاهرة التشيع لأنه ربما في المستقبل معطيات تفيد أن تفكيك هذه الشبكة حكمته خلفيات تتعلق بتنامي ظاهرة التشيع. نحن أمام معطيات ينبغي أن تتأكد مستقبلا لكن بكل تأكيد ما وقع سنة 2008 من اعتقال لرموز الحركة الإسلامية الدولة بالتيار الإسلامي ككل، خاصة أنه لا يوجد تصور منسجم داخل دائرة اتخاذ القرار حول كيفية تدبير ملف الإسلاميين، وأن موزاين القوى بين مكونات هذه الدائرة هي التي تحدد علاقة الدولة مستقبلا مع مكونات التيار الإسلامي. هل استطاعت الحركة الإسلامية أن تتبث نفسها داخل المجتمع المغربي مقابل ما تقوم به الدولة من إصلاحات؟ يروم تدبير الشأن الديني من السلطات ذات الاختصاص احتواء توجهات دينية بالمغرب، والآن الكل يتحدث عن اعتماد سياسة دينية تحتوي ظاهرة الإرهاب، بشكل من الأشكال، حيث أصبح الإرهاب مرتبطا بالتنظيمات الإسلامية حتى في الخطاب الرسمي، في اللحظة التي ننتقد أمريكا والغرب على ربطه بين الإرهاب وبين الإسلام وبين بعض التنظيمات الإسلامية. الحقل الديني في المغرب غير منسجم على غرار بعض الدول العربية والإسلامية، هناك تعبيرات دينية داخل الحقل الديني تختلف مواقفها ورؤاها وخطاباتها، وبالتالي الدولة عندما تبلور مقاربات على مستوى الشأن الديني أحيانا لا تتوجه إلى احتواء كل التعبيرات الدينية بقدر ما تروم وتسعى للعب على تناقضات هذه المكونات الدينية، هذه سياسة كانت معتمدة منذ سنة ,1979 حيث وظف السلفيون لمواجهة الإسلاميين، الآن هناك توظيف للتعبيرات الصوفية لمواجهة التيار السلفي بالخصوص، ونحن نعرف أن الأمر لم يعد مقتصرا على المواجهة في إطار ما كان يسمى بالسلفية الجهادية، هذه المواجهة امتدت لتطال رموز السلفية التقليدية والدعوية من خلال إغلاق دور القرآن. في ثنايا هذه التدابير نلاحظ أن التنظيمات الإسلامية سواء تعلق الأمر بحركة التوحيد والإصلاح أو العدل والإحسان، نجد هذه التنظيمات حصلت على مواقعها، واستطاعت أن تميز نفسها عن التعبيرات الدينية التي تتبنى خطابا يرفضه المجتمع المغربي وتمكنت من إعطاء صورة عن نفسها تجعلها تختلف اختلافا جذريا عما كان يراد أن يلصق بها، حتى ما يقال عن التضييقات مع جماعة العدل والإحسان، أعتقد أنها لا تصل إلى درجة الحديث عن القطيعة بين الدولة وبين جماعة العدل والإحسان، وهناك حدث رمزي ينبغي أن نستحضره وهو الزيارة التي قام بها أحمد التوفيق وزير الأوقاف لتعزية عائلة عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان العلوي السليماني بعد وفاته، ولو قيل أنه ذهب بصفة شخصية لأنه كانت تجمعه علاقة بالراحل، ولا ننسى أن التوفيق هو وزير الأوقاف ويمثل الدولة وأن زيارته تكتسي أبعادارمزية. محمد ضريف هو خبير في شؤون الحركات الإسلامية