خلصنا في مقالنا السابق إلى أن وجود ألفاظ في القرآن الكريم لها مثيلها في اللغات الأجنبية سيطرح في الدراسات القرآنية القديمة سؤال لغة القرآن، هل هي عربية خالصة في جميع ألفاظها، أم في النص القرآني ألفاظ غير عربية؟ ومن المعلوم أن العلماء انقسموا في شأن هذا السؤال إلى موقفين متعارضين بينهما موقف توفيقي، فبعضهم ينكر أن يكون في القرآن لفظ غير عربي، والبعض الآخر يرد هذا الموقف وينتقده. فلنعرض لأدلة الفريقين المتعارضين، قبل بيان وجهة نظرنا في الموضوع: يذهب العديد من علمائنا إلى نفي وجود ألفاظ أعجمية في نص القرآن. ونجد هذا الموقف معبرا عنه من قبل علماء العربية مثل أبي عبيدة فيما يحكيه عن أبي الحسن بن فارس الذي قال: +إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول؛. كما ذهب هذا المذهب فقهاء ومفسرون آخرون، ومن أشهر من شدد النقد على القائلين بورود ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم الإمام الشافعي في كتابه الأشهر +الرسالة؛، حيث يقول: +ومن جماع علم كتاب الله العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب؛. وابن جرير الطبري حيث خصص للموضوع جزءا من مقدمة تفسيره. والعلامة أبوبكر الباقلاني صاحب كتاب +إعجاز القرآن؛، والإمام الزركشي في كتاب +البرهان في علوم القرآن؛. ومن بين أدلة هذا الفريق، استحضار نصوص وآيات القرآن الدالة على عربيته مثل قوله سبحانه: +إنا أنزلناه قرآنا عربيا؛، وقوله: +وكذلك أنزلناه حكما عربيا؛، و +وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد؛، و +قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون؛، و +وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا؛.. وغير هذه وتلك من الآيات. فالإمام الشافعي يعد ما سبق دليلا واضحا على عربية لغة القرآن، إذ يقول: +والقرآن يدل على أن ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب.؛. ومن هذه الاستدلالات النقلية الدالة التي يحرص صاحب +الرسالة؛ على نقلها بوصفها نفيا لإمكان وجود ألفاظ غير عربية، قوله سبحانه: +ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين؛، وقوله تعالى: +ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء؛. ففي آيات القرآن -حسب الشافعي- نفي قاطع لعجمة ألفاظه. ومما استدلوا به على موقفهم هذا بالإضافة إلى الاستدلالات النقلية التي عرضنا نموذجا منها، أن قريشا ما كانت لتفوت على النبي -صلى الله عليه وسلم- التشنيع عليه لو استعمل ألفاظا حبشية ويونانية وسريانية وفارسية.. فلو فعل ذلك لاتخذوها حجة للشغب عليه، إذ كيف يخاطبهم بألفاظ ليست من لغتهم. هذه خلاصة دليل من قال بأن كل لفظ في القرآن عربي. لكن إلى جانب هذا الموقف هناك -كما أسلفنا القول- موقف ثان معارض لما سبق.