كشف المؤتمر الدولي الثالث ضد الاستغلال الجنسي للأطفال الذي انعقد في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو ما بين 25 و28 نونبر عن أرقام صادمة عن دعارة الأطفال والاستغلال الجنسي لهم. ففي البرازيل فقط، خطة محاربة الدعارة في الطرق كشفت عن 100 ألف من الأطفال والمراهقين ضحايا الاستغلال الجنسي. أما في العالم، فقد كشف المؤتمر أن 150 مليون طفلة و 73 مليون طفل تعرضوا على الأقل مرة واحدة للعنف الجنسي، 1/10 منهم في الدول الغربية. وقد ضبط البوليس الدولي (الأنتربول) 20 ألف طفل موظف في الآلة البورنوغرافية. هذه بعض الأرقام التي تم الكشف عنها في هذا المؤتمر، وقد تم الاعتراف بأن الجهود التي بذلت منذ المؤتمر الثاني الذي انعقد سنة 2001 في اليابان لمحاصرة الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الأنترنت لم تكن في مستوى مواجهة تنامي هذه الظاهرة على الشبكة العنكبوتية، وعلى الرغم من إجراءات مضاعفة المراقبة والعقوبات الزجرية في حق بعض المواقع الإلكترونية إلا أن الأرقام تكشف تزايد نسبة الاستغلال الجنسي للأطفال على الانترنت بسبب تطور التكنولوجيا التي صارت تسهل التنقل السريع للصور المجهولة التي تضمن مشاهد فيها استغلال جنسي للأطفال، وبسبب سهولة تناقل الصور بشكل مباشر عبر تقنية الهاتف النقال، وهو التطور التكنولوجي الذي لم يسايره التشريع القانوني المحارب لهذه الظاهرة. وإذا كانت العديد من الدول تبادر إلى نشر أرقام بخصوص الاستغلال الجنسي للأطفال ببلادها وتقدم مقاربتها للتصدي لهذه الظاهرة، فإن المشكلة في بلدنا المغرب مزدوجة: - فمن جهة، لا نملك أية إحصائيات دقيقة عن هذه الظاهرة، ولم تصدر عن أية جهة أمنية أو قضائية أرقام تكشف حجم الاستغلال الجنسي للأطفال في المغرب. وهو واقع يعبر عن حالة من الصمت اتجاه هذه الظاهرة التي ما فتئت تتنامى وتزداد خطورتها. - ومن جهة ثانية، لم يتجاوز التشريع المغربي عتبة المصادقة على اتفاقية حقوق الطفل، والتي تلزمها بحماية وضمان حقوق الأطفال، وتحملها مسؤولية تطوير وتنفيذ جميع إجراءاتها وسياساتها على ضوء ما تقتضيه هذه الاتفاقية، وهو ما لا نجد مؤشرا عليه على أرض الواقع، إذ لا زال التشريع المغربي بعيدا عن مسايرة ما يجري من اعتداءات على حقوق الأطفال؛ خاصة ما يتعلق بالاستغلال الجنسي لهم. هذان الاعتباران يكشفان بوضوح الشرود الذي يميز موقف الجهة الحكومية المعنية بقضايا الأسرة والطفولة، والتي لم يرتفع أداؤها إلى مستوى الشعور بخطورة هذه الظاهرة التي تعرف تناميا كبيرا في المدن السياحية، خاصة مدينة مراكش، كما تكشف التراخي الرسمي عن التفكير في استراتيجية وطنية لحماية الأطفال إزاء مختلف أنواع الاستغلال الجنسي؛ مثل صناعة الجنس على المستوى التجاري، واستغلال الأطفال في المواد الإباحية، والاستغلال الجنسي للأطفال على شبكة الإنترنت. من المفيد للجهات الحكومية المعنية بقضايا الأسرة والطفولة أن تتابع الدينامية التي تشتغل بها مجموعة من الدول لمقاربة هذا الموضوع ، فقد كشفت هذه الدول عن الأرقام من غير خجل، وقاربت أسباب الظاهرة بكل وضوح، واقترحت طرق التصدي لها؛ سواء بتكثيف الرقابة على الطرق لمنع دعارة الأطفال فيها، أو بإلزام بعض محركات البحث مثل (مٌُُه) بالتعاون من أجل الكشف عن المواقع التي تستغل الأطفال جنسيا، أو من خلال فرض رقابة صارمة على الفنادق وعلى المسافرين الذين يصاحبون معهم الأطفال، وهي إذ تقترح هذه الإجراءات، لا يؤطر مركز تفكيرها سوى البحث عن مقاربة شمولية متكاملة لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي بما يجعل التزامها بالاتفاقيات الدولية له مصداقية، أما في الحالة المغربية، فبعض الجهات تقدر أن الكشف عن هذه أرقام صادمة بخصوص الاستغلال الجنسي للأطفال ربما يشوه العذرية الأخلاقية للبلد، وهو تصور مغلوط لا يضع التحولات العالمية ضمن تقديره، وهو في نهاية المطاف تصور لا يخدم سوى شبكات المتاجرين في الأطفال الذين يستغلون هذا الصمت المطبق على هذه الظاهرة، ويجدون الهامش الأكبر للنشاط بكل حرية.