لقد أفاد تجريم المسلمين في تهيئ الظروف التي تجعل أن لا أحد من الرأي العام الغربي يمكن أن يعلن في تلك الظروف عن تعاطفه أو رحمته أمام الآلام والمعاناة التي سوف يتولى المدافعون من أبنائنا عن الحريات إخضاعهم لها وسَوْمَهُمْ عذاباتها، وكذلك أفاد هذا التجريم الظالم في حماية المجرمين الحقيقيين خدام الدولة الكبرى من كل نقد بعد ذلك. هذه السياسة الشريرة التي ساهم فيها صحفيون مسخرون مساهمة فعالة وحقيقية؛ هي سياسة تحمل اسما: استراتيجية التوتر؛ وهي استراتيجية تقوم على أساس استهداف وتحقير مواطنين عاديين -المسلمون في هذه الحالة- مواطنين يحترمون القوانين الجاري بها العمل في البلاد، واتهامهم بأشياء لا معنى لها؛ وفي الوقت المناسب والمحدد مسبقا؛ إلصاق تهمة القيام بعمليات إجرامية بهم، يكون قد هيأها سرا عملاء تابعون لمخابرات الدولة نفسها لهذا الغرض بالذات. وهذا يتم في أغلب الحالات أكثر مما نتصوره؛ بل أحيانا ينفذ تلك العمليات الإجرامية هؤلاء العملاء أنفسهم. وهذه ليست استيهامات من نسج الخيال؛ ففي كتاب يحمل عنوان السنوات السرية لحلف شمال الأطلسي بين المؤرخ السويسري دانيال غانسر كيف كان الأمريكيون وحلفاؤهم الأوروبيون يوظفون طيلة سنوات الحرب الباردة شبكة سرية شكلها حلف شمال الأطلسي بشراكة مع جهاز الـ سي.إي.آي.، وكانت تحمل اسم غلاديو؛ في تخطيط وإنجاز عمليات إجرامية قاتلة وإلصاق التهمة بالشيوعيين. ولقد أكد فانسانو فينسيغيرا - الذي شارك في الإعداد لهذه التفجيرات التي راح ضحيتها أبرياء مدنيون- ذلك فيما بعد، كما أكد أن الهدف من تلك المجازر كان هو إحداث حالة من القلق والفوضى والخوف لدفع السلطات في البلد المعني إلى تبني نظام حكم دكتاتوري و مستبد. واليوم أليست نفس التلاعبات بالعقول ما تزال تنفذ دون علمنا؟ غير أن المتلاعبين اليوم لم يعودوا يستهدفون اليساريين والشيوعيين؛ كما كانوا يفعلون طيلة سنوات الستينات إلى الثمانينات من القرن المنصرم؛ إنهم اليوم يستهدفون العرب والمسلمين. إن كل عملية يتم مباشرة وبتزامن مع الإعلان عنها إلصاقها بإرهابيين إسلاميين، وتتم بسرعة كبيرة دعوة أولائك المتخصصين في الإرهاب وفي الحركات الإسلامية، للتعليق عليها وتفسيرها وتحليلها؛ حتى يتم تنشيط النقاش ومضاعفة الخوف من الإسلام. ويتم في أغلب الحالات تفادي فسح المجال لأي رأي مخالف من شأنه أن يعترض على التعسف والتزوير. وبذلك يكون من السهل جدا نشر أخبار كاذبة؛ بما أن وسائل الإعلام التقليدية لا تبدي أي ميل للقيام بالعمل الصحفي المهني الحقيقي المتمثل في التحقيق والاستطلاع؛ كما هو واجب مهنيا للتأكد من صحة أو عدم صحة الروايات الرسمية؛ أو حتى هل هي روايات مقبولة واقعيا أم غير مقبولة. ويبقى المواطنون، تحت تأثير التضليل الذي يتعرضون له بعيدين جدا من تصور أن تقوم سلطاتهم بتوافق مع السلطة الرابعة بالتورط في وضع استراتيجيات تعاكس مصالحهم.