منذ إقرار ميثاق التربية والتكوين قبل ثماني سنوات، كان من بين ما جاء به، إرساء شراكة مؤسساتية بين مختلف المتدخلين من قطاعات حكومية، وغير حكومية، من أجل إنجاح الإصلاح التربوي الذي تم إقراره حينها، والشروع في تنفيذ مقتضياته، تحت ما سمي بأنه عشرية التربية والتكوين 2000/.2010 لكن وبعد ثمان سنوات من العمل، خرج علينا تقرير المجلس الأعلى للتعليم ليؤكد أن الإصلاح التعليمي يعاني من معضلات حقيقية، وأنه لم يحقق أهدافه المسطرة، انتهى إلى أزمة ثقة في المدرسة العمومية، وفيما يخص الشراكة، أكد التقرير نفسه أن من الإكراهات والصعوبات التي تواجهها منظومة التربية والتكوين، المشاركة الضئيلة للشركاء الرئيسيين. الأمر الذي أدى إلى الحدّ من انفتاح مؤسسات التعليم والتكوين على محيطها وعلى إمكانيات تنويع موارد التمويل لضمان تجديدها. مشاركة ضئيلة في توصيفه لهذه الوضعية، أكد المجلس، في وثيقة جديدة حول الموضوع، ورقة إطار: الشراكة المؤسساتية من أجل المدرسة المغربية، أن الأحزاب السياسية والنقابات، ظل إسهامها محدودا، ولم تضطلع بالدور المنتظر منها على أكمل وجه، والمتمثل في تعبئة أطرها وكفاءاتها حول قضايا الإصلاح وتتبعه، وإغناء اختياراته. مشيرا أيضا إلى أن جمعيات آباء وأولياء التلاميذ والمؤسسات التعليمية لم ترق بعد إلى شراكة حقيقية. وبالنسبة للفاعلين الاقتصاديين الذين تعتبر وجهات نظرهم واختياراتهم ذات أهمية كبرى في بلورة التنظيم البيداغوجي للنظام التعليمي، وربطه بمحيطه الاقتصادي، وأكدت أن مصير المدرسة العمومية لم يشكل بعد أحد انشغالاتهم كشأن وطني يهم جميع المغاربة. وبالنسبة للجماعات المحلية والجهات، ذهبت الوثيقة ذاتها إلى أنها لم تضطلع بما فيه الكفاية بواجبها فيما يتعلق بتعميم التعليم الأولي والتعليم الأساسي، ولا لاسيما بالإسهام في تنمية البنيات التحتية. وكانت النتيجة هي ما أقره تقرير المجلس الذي صدر قبل أشهر قليلة، من أن المدرسة العمومية تعاني من أزمة ثقة جماعية في دورها، الأمر الذي يتطلب تعبئة جماعية من أجل النهوض بها. تقدم ملموس غير أن هذا الوضع لا يعني أنه لم ينجز شيء على هذا المستوى، ففي عرضه خلال الندوة الوطنية حول الشراكة المؤسساتية، التي نظمها المجلس الأعلى للتعليم، أبرز وزير التشغيل والتكوين المهني، جمال أغماني، أن قطاع التكوين المهني أرسى، نظاما للشراكة مع الجمعيات والغرف المهنية والمقاولات والمنظمات غير الحكومية، مشيرا إلى أنه منذ قيام العمل بإصلاح التكوين، سنة ,1996 اختارت السلطات العمومية تمكين المهنيين من تحديد حاجياتهم من الكفاءات ومن التكوين المستمر. ووفقا لذلك أبرمت الوزارة ما يناهز 270 اتفاقية للشراكة، مع القطاعات المكونة والغرف والمنظمات المهنية والمنظمات غير الحكومية والمقاولات. بل قدّم مثالا اعتبره ناجحا، ويخص تجربة التدبير المشترك للمدرسة العليا لصناعات النسيج والألبسة، منذ سنة ,1996 بين القطاعين العمومي والخاص، عبر الإسهام الفعلي للمهنيين في تلبية حاجاتهم من الكفاءات، مما مكن من وضع برنامج لإحداث مؤسسات قطاعية للتكوين، تعتمد الأسلوب ذاته. الشراكة: أية مقاربة؟ لكن ما يسعى إليه المجلس الأعلى للتعليم أكبر من ذلك، حيث إنه إذ يدعو إلى الشراكة في المجال التربوي والتعليمي، فهو يقصد إلى عملية تأهيل شاملة، سواء المؤسسات التعليمية من حيث بنياتها التحتية، أو تنشيط الحياة المدرسية والجامعية، وتأهيل البحث العلمي. ويهدف تربويا إلى محاربة المعضلات التي تعاني منها المنظومة التربوية، من مثل الهدر المدرسي، وتعميم التعليم، والنهوض بالتعليم الأولي وغيره. وحسب وثيقة الإطار لـالشراكة المؤسساتية من أجل المدرسة المغربية، فإن المقصد من الشراكة هو أن تكون إنمائية، أي تسهم في التغلب على إكراهات إصلاح النظام التربوي، وبالتالي إعادة بناء الثقة الجماعية والتعبئة حول مدرسة للجميع، أي المدرسة العمومية. وبالتالي الحاجة إلى مخطط استراتيجي للارتقاء بالشراكة من أجل مؤسسة تعليمية منفتحة على محيطها خدمة للجودة. انتقادات لاذعة ووجهت هذه الرؤية بانتقادات لاذعة، من لدن الفاعلين في الميدان التربوي، ويرى عبد الله خميس، وهو رئيس اتحاد التعليم والتكوين الحر بالمغرب، أنه ليس هناك جدية كافية ميدانيا، وليست هناك رؤية واضحة في التنفيذ، وأكد أن ذلك يظهر من خلال تدخلات غير منسجمة، والتي هي قطاعية، مما يجعل هذه المقاربة، والإصلاح التربوي ككل، تواجه هذه الرؤية صعوبات كبيرة في الواقع، ويشدد عبد الله خميس على أن الجماعات المحلية التي يعوّل عليها في النهوض بالبنيات التحتية للمدرسة العمومية، ليس لها الإمكانات الكافية لذلك، وأكد خميس أن الجماعات المحلية تفتقر أيضا إلى الكفاءات اللازمة للانخراط في إنجاح مسلسل التربية والتكوين. أما المشكلةالأساسية، فهي أن السياسات التدخلية تكون قطاعية، وغير منسجمة، وليس هناك تنسيق بين المتدخلين، وأكد خميس أن مشكل الهدر مثلا وغيره في السنوات الماضية، يكون بنسبة كبيرة في الوسط القروي، وسبب ذلك ليس غياب المدرسة أساسا، ولكن غياب الطريق، أوالداخليات، أوالبنيات التحتية الأخرى، من ماء وكهرباء وقنوات الصرف الصحي. ويضيف خميس أن الأزمة وصلت أيضا، بسبب التدخلات غير المنسجمة إلى المدينة، حيث نجد تجمعات سكنية تبنى ليس فيها مدرسة مثلا، وضرب لذلك مثلا، حيث أكد المتحدث أن ثمة 2000 تلميذ من مقعد دراسي بسبب ذلك. وهذا لا تتحمله وزارة التربية الوطنية، بل تتحمله السلطات المحلية التي ترخص للبناء دون المعايير والشروط المطلوبة. ودعا خميس إلى اعتماد مقاربة أفقية تنفتح على جميع المتدخلين، كل حسب موقعه، لكن باستراتيجية منسجمة، وفق تعاقدات واضحة، وأكد المتحدث أن التعليم الخاص مثلا يمكنه أن يسهم في استقطاب نسبة 30 في المائة من التلاميذ، بشرط تشجيعه.