اضطر خالد عليوة الرئيس المدير العام للقرض العقاري والسياحي إلى الرد على التحقيق الذي نشرته أسبوعيةالحياة الأسبوع الماضي، والذي اتهمه بشراء عقار من النوع الممتاز بوسط الدارالبيضاء؛ بثمن لا يتعدى مليونا و800 ألف درهم؛ في الوقت الذي كانت قيمة هذا العقار قبل عشر سنوات قد تضاعفت بأربع مرات، وذلك من خلال استجواب صحفي في المساء. خالد عليوة اختار في منهجية رده أن يركز على ثلاث نقاط: قانونية الشراء: فحسب المدير العام للقرض العقاري والسياحي، لا غبارعلى قانونية عملية الشراء، وليس فيها ما يخرق المسطرة، فهو عامل من عمال البنك، وقد تقدم بطلب ضمن المسطرة القانونية، وقد صادق مجلس إدارة المؤسسة على هذا الطلب، ومن حق أي مؤسسة أن تفوت إلى عمالها ملكا من أملاكها ولو بالمجان، وما دام لا يملك أية سلطة أوصلاحيات تخول له اتخاذ القرار في القضايا التي تهم تفويت ممتلكات البنك، فمن حقه أن يشتري بعض ممتلكات البنك، ومن حق البنك أن يبيع أي ملك لعامليه؛ وفق الثمن الذي يراه شريطة ألا يخسر، ويمكن أن يفوته بالمجان. البعد السياسي للملف: وذلك عبر إعطاء القضية بعدا سياسيا، فالأمر حسب عليوة لا يتعلق باستهداف شخصه وإنما يمس سمعة البنك العقاري السياحي الذي استطاع في عهده أن يتجاوز حافة الإفلاس، وأن ينجح في استرداد أكثر من ثمانين في المائة من مستحقاته. وهكذا يرى المدير العام للبنك العقاري والسياحي أن التحقيق الذي تحدث عن استغلاله للنفوذ من أجل الاستحواذ على عقار ممتاز بثمن بخس كانت وراءه لوبيات ذات أطماع تتصيد الفرصة، ولا تريد للبنك أن يتعافى بالصورة التي وصل إليها في عهده. تجنب القضاء: ولأن الموضوع يتعلق حسب عليوة بالقذف في شخصه فكان يمكن أن يلجأ إلى القضاء، لكنه تجنب ذلك، بل إنه تجنب حتى الرد على ما نشر في حقه، ومنع العديد من أطر البنك أن يردوا ـ هكذا ـ تحت تعلة أن للبنك هيئاته المخولة بذلك. وبالنظر إلى هذه الاعتبارات الثلاثة التي ذكرها خالد عليوة لتبرير موقفه؛ يتضح أنه يحاول أن يهرب النقاش عن حقيقته، مستعملا في ذلك جملة من التعليلات الخاطئة والمناقضة للتوجه العام لمكافحة الفساد واستغلال النفوذ: ـ فمن جهة، صحيح أن البنك العقاري والسياحي ليس مؤسسة عامة، لكن لا ينبغي أن ننسى أن الإسهامات العمومية تبلغ أزيد من 72 في المائة، وأن الدولة مدت الصندوق في سنة 2007 وبعدها بما يقدر ب250 مليون درهم عن كل سنة بالمائة، وهو ما يفرض ضرورة التخليق والشفافية للحفاظ على المال العام الذي حقن أصلا في هذه المؤسسة من أجل إنقاذها، والتي أدت عقود من التدبير الفاسد إلى ضياع حوالي 8 ملايير درهم منها. ـ إن الحديث عن مسطرية عملية الشراء وعدم خرقه للقانون ليس هو جوهر المشكلة، وإنما المشكلة في وجود شبهة واضحة لاستعمال النفوذ وعدم تكريس ثقافة الشفافية والتخليق، فهل يمكن أن يتصور عاقل أن طلبا للمدير العام للمؤسسة سيرفض من قبل المجلس الإداري، و إن الأمر هنا يتعلق بثقافة الشفافية والتخليق، ولا يتعلق باحترام المساطر القانونية، إذ لو كان مديرها يحترم هذه الثقافة وينأى بنفسه عن شبهة استغلال النفوذ لقدم طلبه إلى مؤسسة أخرى غير تلك المؤسسة التي يرأسها، أما أن يقدم طلبا إلى المؤسسة التي يرأسها ليوافق له مجلس إدارتها بالبيع بثمن بخس ثم يقول إن هذا الشراء احترم المساطر القانونية فهذا العبث بعينه. ـ اضطر السيد خالد عليوة إلى تهريب النقاش عن شخصه بإيغاله في التفسير التآمري، وكأن البنك هو شخصه، وأن استهداف سلوك غير شفاف صدر منه هو استهداف للبنك من قبل لوبيات لها أطماع تتصيد الفرصة وتتمنى أن ينهار البنك بعد عملية الإنقاذ، بل أكثر من ذلك، وعوض أن يعترف بالفضيحة التي قام بها راح يتحدث عن الكسب السياسي الذي تريد بعض الجهات أن تحققه من وراء استهداف شخصه، خاصة في ظل الدينامية السياسية التي تعرفها البلاد- يقصد بذلك مؤتمر الاتحاد الاشتراكي- والحقيقة أن هذه المفردات التي يحقن بها المدير العام للقرض العقاري والسياحي خطابه لا تنتمي إلى الثقافة الديمقراطية، إذ كان عليه أن يناقش النازلة كما هي، وأن يكشف إلى الرأي العام رده عما نشر بعيدا عن هذه تكريس منطق استهداف الشخص، يعني استهداف المؤسسة واستهداف النجاح الذي حققته بل واستهداف الدينامية الحزبية التي يعرفها المغرب. ـ القضية واضحة في أبعادها، ولا تحتمل تهريب النقاش إلى جوانب أخرى غير مقصودة، القضية تتعلق بشبهة استعمال النفوذ وبخرق لقواعد الشفافية والتخليق في التدبير، وفي تفويت عقار للمدير العام للبنك بثمن بخس أقل من الثمن الحقيقي الذي يفترض أن يباع به اليوم بعشرة أضعاف أو أكثر. هذه هي القضية في جوهرها، وهي التي كانت تتطلب الإجابة عنها، وأن يوضح للرأي العام إن كان ما أقدم عليه ينسجم مع ثقافة الشفافية والتخليق في التدبير الذي كان يدعو إليه، أم أن ذلك يخرق قواعد الشفافية والتخليق، ويدخل في إطار استعمال النفوذ من أجل تحصيل منافع وامتيازات خاصة على حساب المنفعة العامة.