استوقفني مرة أستاذي الفرنسي في أيام الدراسة، وهو بالمناسبة مستشار دولي في تدبير المنظمات، ليقول لي: بأن الاستشارات والمصداقية وجهان لعملة واحدة. فأكسوجين هذه المهنة وفقا لأستاذي الخبير الأجنبي هما الشفافية والوضوح. وافقت على هذا الكلام، وأضيف إليه بالقول إن الشفافية وإن كانت هي مفتاح نجاح العلاقة بين أي مستشار وأية شركة كبيرة كانت أم صغيرة، فإن الجوانب الأخرى لا تقل أهمية. حيث إن الإلمام بالجانب الماكرو اقتصادي وبثقافة الشركة يعدان ركيزتان لعمل المستشار. ومن الظواهر الغريبة في الشركات المغربية تكتمها على المعلومات التي تتعلق بها. ويخاف المسيرون عادة على المعلومات التي لديهم من باب الاعتقاد بأن كشف المعلومة ربما يؤدي إلى خطورة تسّربها إلى المنافسين. إن المستشار عندما يقرأ المشكلات ويعمل على تحليلها، سيصل حتما إلى استنتاجات، ومن هذه الاستنتاجات يقترح الحلول، وهو يبني كل تحليلاته واستنتاجاته وحلوله على المعلومات التي توفرت لديه من الشركة ذاتها، وبالتالي فتكتم بعض المسيرين على المعلومات سيعيق عمله بلا ريب. وفي هذه الحالة سيكون من الخطورة إخفاء المعلومات عن المستشار. وعدم دقة المعلومات أوضبابيتها لا تقل خطورة عن غياب وإخفاء المعلومات أوبعضها، بل ربما يكون ذلك أخطر، إذ يمكن البحث عن المعلومات الغائبة، بينما يصعب تدقيق جميع المعلومات المتوفرة. ويبقى للمستشار المحترف الحدس الكافي ليعلم أن هناك فراغا في البنية المعلوماتية التي حصل عليها، ولا يصعب عليه أن يستشعر أويرى ضبابية المعلومات، وهذه الضبابية يمكن وصفها بالمعلومات المضللة. ويكسب المستشار ثقة الشركات إذا امتلك ملكة عالية في إذابة الجليد بينه وبين الإدارة من اللقاءات الأولى، مما من شأنه أن يزيد من الشفافية بينه وبين الشركة، خصوصا إذا صادف في شخصية المدير عقلية منفتحة وواثقة من نفسها، وتقاس الأمور بمقياس المنطق والعقل أكثر من مقياس الانفعال والحسابات العاطفية. وعند طلب الاستشارات، تلجأ إداراتنا العمومية وشبه العمومية وكذلك الشركات الكبرى إلى المكاتب الاستشارية الدولية، وتتحفظ في الغالب، من التعامل مع المكاتب الاستشارية المغربية، أومن التعامل مع المستشارين الذين يعملون لحسابهم الشخصي. وفي العموم أبانت التجارب بأن أنسب المستشارين للسوق المغربية هم كفاءاتنا الوطنية العاملة في هذا الميدان، خصوصا إذا تعلقت هذه الاستشارات بجانب التنمية البشرية. فللمستشارين الأجانب معايير وأنظمة وقياسات مختلفة عن نظرائهم المغاربة، وبالتالي فالجانب الإنساني لا يتمكن من التعامل معه إلا ابن البيئة.