ابتلعت الفاجعة وعزيت نفسي، ثم بدأت أفكر في الاتصال والتعزية، لكنني احترت: من أعزي؟ آل الخطيب؟ حزب الخطيب؟ أصدقاء الخطيب؟ آل الخطيب ليسوا فقط هم عمر الخطيب ووالدته وأخواته وبنو عمومته. وأنصار الخطيب ليسوا فقط هم حزب العدالة والتنمية، وليسوا فقط هم جمهور العدالة والتنمية ... آل الخطيب يبدؤون من هؤلاء، ولكنهم لا ينتهون ولا ينحصرون... آل الخطيب وأصحابه وأنصاره لا يحصرهم زمان ولا مكان ... لقد كان قائدا مغربيا، ورائدا إفريقيا، وزعيما عربيا، ومجاهدا إسلاميا. وله في هذه الدوائر كلها أمجاد وآثار، وله فيها آلٌ وأصحاب، وأنصار وأحباب. لقد كُتب عن الدكتور الخطيب الشيء الكثير، وسيُكتب عنه أكثر بعد وفاته. ولو كُتبت عنه مجلدات لما وفَّـته حقه، ولما أحاطت بجلائل أعماله وكريم خصاله. ولكني سأكتب وأروي حادثة تعتبر صغيرة عابرة، أعرف أنها لصغرها لن يرويها أحد، وقد لا يتذكرها أحد ممن شهدوها. ولكنها عندي تمثل أبرز معالم هذا العلم المعْلَم. في صيف 2003 دُعينا - الأمانة العامة للحزب وأحمد الريسوني - إلى منزل وزير الداخلية السيد مصطفى الساهل، وكان معه وزيره السيد فؤاد عالي الهمة، وكان معهما رجل ثالث فضل عدم الكلام. وكان الغرض من هذا اللقاء هو أن يتولى الوزيران توبيخنا وتهديدنا وترهيبنا وإنذارنا، بعد أن تم العدول - أو التريث - عن فكرة حل الحركة والحزب... وفي هذا السياق حمل الوزير على حركتنا وحزبنا حملة شديدة مرعبة، وكان يتوقف خاصة عند بعض رموزنا ويشنع عليهم ويدين تصرفاتهم وتصريحاتهم، إلى أن وصل إلى الأخ الأستاذ المقرئ أبو زيد - وكان قد غاب عن هذا اللقاء - فذكر عنه كيف أنه يأتي إلى البرلمان، ويتجرأ ويصرح علانية أنه يجمع الأموال ويدعم بها حركة حماس، وهي منظمة إرهابية..!! وبقينا ساكتين مرهوبين، ولكن الدكتور الخطيب انتفض في وجه الوزير وفي بيته، وقال له: لا أيها السيد الوزير، حماس ليست منظمة إرهابية، بل هي حركةُ مقاومة وتحرر، ونحن كلنا ندعمها، وسنبقى ندعمها. هذا الموقف من الدكتور الخطيب، لو كان في زمان آخر، وفي مكان آخر، وفي سياق آخر، لكان عاديا. أما أن يكون بعد ,2001 وبعد 16ماي ,2003 وفي السياق الذي ذكرته ووصفته، فهذا شيء أكبر من الشجاعة وأنبل من الشهامة. وما زلت من يومها أتذكر وأتألم وأتحسر، لأنني وغيري من الإخوة الحاضرين أعضاء حركة التوحيد والإصلاح، لم نستطع أن نكون في مستوى الدكتور الخطيب. فصبرا آل الخطيب على فقدان الخطيب. لم يكن الدكتور الخطيب خطيبا بليغا بلسانه وفصاحته، ولكنه كان بليغا بنبله وشجاعته ووفائه وإخلاصه. فصبرا آل الخطيب وكلنا آل الخطيب. صبرا فإن موعده الجنة. ها هو قدر الله يبشرنا وينبئنا أنه ذهب راضيا مرضيا، في ليلة مباركة هي أرحم الليالي في أرحم الشهور. وقد ذهب بعد صيام وصلاة وقيام... فبفضل ثقتنا بالله تعالى، وبفضل رجائنا في الله، وحسن ظننا بالله، نقول: صبرا آل الخطيب فإن موعده الجنة. وهذه تعزيتنا ومواساتنا. و{إنا لله وإنا إليه راجعون}.