كان الاعلام الديني في المغرب يقتصر على بعض المجلات المتخصصة التي تصدرها وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية مثل دعوة الحق و سبيل الرشاد او بعض الملحقات الدينية في بعض الجرائد المغربية مثل جريدة العلم.فتعزز ببروز صحافة متخصصة أو مهتمة بشؤون الدينية وتقديم معالجات لقضايا المعاصرة من زاوية إعادة الاعتبار للمرجعية الإسلامية مثل مجلة النور، مجلة الفرقان، جريدة الاصلاح التي ستأخذ اسم الراية ثم جريدتي السبيل والصحوة و فيما بعد التجديد التي تطورت من رحم هذا الإعلام بهدف الاندماج في دائرة الإعلام الوطني العام، هذا بالاضافة الى ما ياتي من الشرق كجريدة المسلمون او اللواء الاسلامي و فيما بعد مجلة الامة و مجلة الوعي الاسلامي التي رافقتا الصحوة الاسلامية في العالم الاسلامي. وفيما يخص الاعلام السمعي البصري فقد كان مقتصرا بدوره على برامج دينية وعظية غالبا ما كانت مناسبتية ، كحلول شهر رمضان و الاعياد الدينية او ذكرى المولد النبوي...و تتسم بالرتابة و التكرار كما هو الشأن في برنامج ركن المفتي الذي كان من الممكن أن يتطور مع الوقت. بالنسبة للبرامج الدينية المسموعة كانت في بعض الأحيان تخرج عن المالوف حيث كانت تستضيف علماء من بلدان اخرى كان لهم صيت في ميدان الفكر مثل المفكر الراحل رشدي فكار و غيره. بالاضافة الى حصص القرآن الكريم و التفسير. على ان ما كان يميز تلك الفترة و الى اليوم و ان كان ذلك مقارن برمضان هو الدروس الحسنية التي كانت تستضيف علماء مغاربة و مشارقة كان لهم الفضل في تنوير الراي العام و الخروج به من المالوف.و عموما فان الاهتمام بالبرامج الدينية آنذاك في القناة المركزية (الاذاعة و التلفزيون و حتى فيما بعد القناة الثانية) كان موجودا. لكن الملاحظ هو انخفاض النسبة الزمنية المخصصة لهذه البرامج، بالاضافة الى أن هذه البرامج تحكمها رؤية معينة مركزية، الأمر الذي جعلها تركز على قضايا وموضوعات جزئية، حتى أصبحت أفضل لحظاتها هي الأفلام التاريخية الإسلامية مع بعد كبير عن واقع المسلم المعاصر، وبذلك تخرج مثل هذه البرامج عن دائرة البرامج الدينية الناجحة التي تتحدث بلغة العصر وتعالج مشاكله، حيث لا يتجاوز دور هذه البرامج الدور التقليدي للبرامج الدينية في وسائل الإعلام المختلفة والذي يتركز حول الوعظ والإرشاد، كما أن المضمون الديني الذي تقدمه غالبا ما يتسم بالتكرار ولا يتطرق للموضوعات والقضايا الاجتماعية والثقافية الحيوية. و عن ذلك يقول الاعلامي المغربي يحيى اليحياوي : وبصرف النظر عن الأداة، صحيفة كانت أم إذاعة أم تلفزة، فإن القائم لا يخرج كثيرا عن ضوابط وخطوط المنظومة الدينية السائدة بالمغرب. من هنا فالخطاب الإعلامي المتمحور حول الدين بكل وسائل الإعلام، غالبا ما يكون ذو طبيعة أبوية، توجهه توجه عمودي، من فوق لتحت، موحد، غير قابل للنقاش فما بالك بالاجتهاد. من الصعب والحالة هاته، أن يكون ذات الإعلام قادرا على منافسة الإعلام الديني العابر للحدود، المرن في رسالته، المتنوع في مادته، والمستضيف لكل التوجهات والتيارات الدينية. التطور التاريخي عرف العالم العربي الاسلامي مع مطلع هذا القرن تحولا جذريا على مستوى الاعلام و التواصل مواكبا بذلك ثورة التكنولوجيا الرقمية التي عرفها العالم ككل. و بعد أحداث 11 شتنبر و استغلال ذلك في الهجمة الغربية الشرسة على العالم الاسلامي و رموزه، بدت الحاجة الماسة إلى إحداث قنوات اسلامية (مسموعة و مرئية) بالاضافة الى مواقع اسلامية جمة تهدف الى التعريف بالاسلام و التصدي للهجمات التشكيكية التضليلية و التبشيرية التي تقوم بها مواقع و قنوات فضائية اخرى. هذه القنوات و المواقع المشرقية اخترقت المجتمع المغربي المعروف بخصوصيته الدينية حيث اصبحت هذه القنوات ، كما بين الاستطلاع الاخير حول التدين بالمغرب، مصدرا حيويا حل محل المصادر التقليدية المكتوبة و ذلك بنسبة 58بالمائة. فكان لابد من التفكير في اعلاما دينيا مغربيا خصوصا بعد احداث 61 ماي القاتلة، و كما صرح الدكتور عبد المجيد الطريبق المنسق العام للاعلام الديني بالمغرب:في اطار التوازن الاعلامي ياتي الاعلام الديني لياخذ موقعه الطبيعي و يمارس حقه و واجبه في تاطير المواطنين. من هنا تم إنشاء قناة كالسادسة او قبلها اذاعة محمد السادس للقران الكريم اللتان ياتيان كاسهام معتبر ليس في المغرب فقط بل في العالم الاسلامي ككل، حيث تم الاتصال بنا للاستفادة من التجربة في خصوصياتها الوطنية و المذهبية. فاذن ياتي الاعلام الديني في المغرب استجابة لواجب التاطير الديني للمواطنين المغاربة في الداخل و الخارج في اطار التكامل المطلوب بين آليات الشان الديني العلمية و الادارية و الاعلامية. و كذلك استجابة لظاهرة التدين التي عرفها المغرب الذي يظل شعبا محافظا رغم مظاهر الاعوجاج. هذا التطور في الاعلام الديني انعكس على البرامج الدينية في القناتين المغربيتين حيث عمد المسؤولون على تغييرها شكلا و مضمونا و توسيع حصصها الزمنية بالمقارنة مع السابق، مع التركيز على الخصوصية المغربية، ويمكن القول ان تحدي المنافسة الاعلامية المشرقية لعبت دورا هاما في تحريك ماء الاعلام الديني بالمغرب. و كما عبر عن ذلك الاستاذ الطريبق فالفضائيات الاسلامية بالشرق، و ان كنا هنا لسنا بالتقابل باعلام مشرقي و مغربي، اكتست طابعا معولما منذ بدايتها و يزداد هدا الطابع بروزا مع تعددها و حيرة مشاهديها امام انتماط الانتاج التي تجذب الناس. من جهة اخرى فالاصدارات الاعلامية الدينية هي الاخرى تواكب هذا التطور خصوصا فيما يخص القضايا الاجتماعية والفكرية و مسائل التنزيل على الواقع مثل مجلة الاحياء التي تصدر عن الرابطة المحمدية و مجلة الفرقان والنور و السبيل و المحجة و اخيرا مدارك. و ان كان هذا الاعلام المكتوب ينقسم الى ما هو عمومي و خاص ، فانه يلتقي في التركيز على الهوية الوطنية المغربية. و في هذا الاطار لا يمكن اغفال المواقع الدينية التي تحاول ان تواكب التطورات الحاصلة في هذا الميدان و نخص بالذكر هنا موقع وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية الذي ينظم لقاءات وحوارات مفتوحة مع الشباب و مناقشة اهتماماته في الامور الدينية و الدنيوية مع التطرق الى قضايا الاسرة و المجتمع، بالاضافة الى موقع الرابطة المحمدية. الحصيلة ان زيادة عدد الساعات في قناة السادسة و قناة محمد السادس للقرآن الكريم يشهد بتطور الاعلام الديني بالمغرب الذي سيعرف مستقبلا التغطية الشاملة. و لتقييم الاعلام لابد من استقراء الشارع و هذا الاخير في العديد من التصريحات عبر عن رضاه و تجاوبه الكبير مع القناتين خصوصا لدى فئة كبيرة من اصحاب المحلات التجارية و سائقي الطاكسيات و الحافلات ولدى المشاهدين عامة. ناهيك عن ان المجالس العلمية المغربية وجدت ضالتها في هذه القنوات. و في هذا الصدد قال الدكتور عبد الله اكديرة رئيس المجلس العلمي لمدينة الرباط رغم ان القناة السادسة و اذاعة محمد السادس للقران الكريم لا تزالان تخطوان خطواتهما الوئيدة ، المتعثرة لكن نجد لهما صدى في نفوس الناس و قلوبهم و يرجون منهما الكثير الكثير. و يمكن اعتبار هذا النجاح راجع الى ان الملقن مغربيا و يجيد خطابا دينيا مغربيا واضحا بعيدا عن التقليد . لكن اذا اردنا التقييم فان هذا الاعلام يواجه تحديات تتمثل حسب الدكتور الطريبق في املاءات المسؤولية الاعلامية و الدينية و ضرورة تدبيرها التدبير السليم و في انتظارات المشاهد و القفزات التكنولوجية التي تعرفها الطفرة المعلوماتية و القدرات المالية و البشرية المطلوبة. بعبارة اخرى فالتطوير النوعي مطلوب للخروج من دائرة البرامج الدينية التقليدية الى برامج تمس كل قضايا المجتمع. و هذا يتطلب تجاوز الرتابة و التكرار في البرامج و البحث عن طاقات شابة تجدد دماء هذا الاعلام، كما عبر عن ذلك احد المهتمين بالشان الديني في المغرب. و في سياق اخر يقول رئيس المجلس العلمي بالرباط :اما الجرائد المكتوبة و المجلات و غيرها من الوسائل الاخرى فاننا نقول لاصحابها ان الاسلام اوسع مدى من توجهات الهيئات الاجتماعية و الفئات السياسية التي ينتمون اليها. و الاخلاص لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يكون ممزوجا بالدعوة الى فكر محدود. في اشارة الى المنابر الاعلامية الخصوصية. و مهما يكن فان الاعلام الديني بمختلف توجهاته مطالب بتطوير ذاته و الياته و توفير الامكانيات اللازمة له ، التي هي الان جد محدودة. كما ان هذا المقال لن يوفي حق هذا الموضوع الذي يستوجب ندوات و لقاءات و طنية ينخرط فيها كل المعنيين بالامر. خاتمة الخلاصة هي أن مستقبل الإعلام الديني يبقى مرتبطا بقدرتها على الانفتاح لطيف قصاب من مركز المستقبل للدراسات والبحوث:ان أي وسيلة إعلامية بغض النظر عن تصنيفها الى مقروءة او مرئية او مسموعة يمكن ان تحقق رواجا منقطع النظير كما هو الحال بالنسبة للانترنت اذا ما توخت تبني المنهج التفاعلي في تعاملاتها مع المتلقين وابتعدت عن مناهج الاملاء والتلقين والتوجيه المباشر الخارجة من ميدان الفلسفة الشمولية التي مابرحت تعّرف الصحافة على أساس أنها أداة للتوجيه و التعبئة والدعاية الإيديولوجية من غير اكتراث بروح العصر وطبيعة المرحلة التاريخية.